فصل: فَصْلٌ في أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَادِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.فَصَلِّ فِي دية الْجَنِين:

(وَمَنْ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَعَلَى عَاقِلَتِهِ غُرَّةُ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ) وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْغُرَّةُ غُرَّةً لِأَنَّهَا أَقَلُّ الْمَقَادِيرِ فِي الدِّيَاتِ وَأَقَلُّ الشَّيْءِ أَوَّلُهُ فِي الْوُجُودِ وَلِهَذَا يُسَمَّى أَوَّلُ الشَّهْرِ غُرَّةً لِأَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ يَظْهَرُ مِنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَوَجَبَتْ فِيهِ الْغُرَّةُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ سَوَاءٌ كَانَ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَهُوَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ وَعُشْرِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَيَقَّنْ بِحَيَاتِهِ وَإِنَّمَا وَجَبَ اسْتِحْسَانًا لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ: «فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيُرْوَى أَوْ خَمْسُمِائَةٍ» فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ بِالْأَثَرِ وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ قَدَّرَهَا بِسِتِّمِائَةٍ نَحْوِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَهُوَ عَلَى الْعَاقِلَةِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ مَالِكٌ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ بَدَلُ الْجُزْءِ وَلَنَا أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَلِأَنَّهُ بَدَلُ النَّفْسِ وَلِهَذَا سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةً حَيْثُ قَالَ: «دُوهُ وَقَالَ أَنَدِي مَنْ لَا صَاحَ وَلَا اسْتَهَلَّ» الْحَدِيثُ إلَّا أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَعْقِلُ مَا دُونَ خَمْسِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَيَجِبُ فِي السَّنَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِي ثَلَاثِ سِنِينَ (فَإِنْ أَلْقَتْهُ) أَيْ الْجَنِينَ (حَيًّا فَمَاتَ فِدْيَةٌ) أَيْ فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَيًّا بِالضَّرْبِ السَّابِقِ.
(وَإِنْ) أَلْقَتْ (مَيِّتًا) سَوَاءٌ كَانَ الْجَنِينُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى (وَمَاتَتْ الْأُمُّ فَغُرَّةٌ) لِلْجَنِينِ (وَدِيَةٌ) لِلْأُمِّ لِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَتَيْنِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ مُوجِبُهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا رَمَى شَخْصًا وَنَفَذَ مِنْهُ لِلْآخَرِ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ دِيَتَانِ إنْ كَانَ خَطَأً وَإِنْ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَالدِّيَةُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَإِنْ مَاتَتْ) الْأُمُّ (فَأَلْقَتْهُ) أَيْ الْجَنِينَ (حَيًّا فَمَاتَ) الْجَنِينُ (فَدِيَتُهَا) أَيْ تَجِبُ دِيَةُ الْأُمِّ (وَدِيَتُهُ) أَيْ دِيَةُ الْجَنِينِ لِأَنَّهُ قَاتِلُ شَخْصَيْنِ.
(وَإِنْ) مَاتَتْ الْأُمُّ بِالضَّرْبِ ثُمَّ أَلْقَتْ الْجَنِينَ (مَيِّتًا فَدِيَتُهَا) أَيْ دِيَةُ الْأُمِّ (فَقَطْ) وَلَا شَيْءَ فِي الْجَنِينِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الْغُرَّةُ فِي الْجَنِينِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَوْتُهُ بِالضَّرْبِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ مَيِّتًا وَهِيَ حَيَّةٌ وَلَنَا أَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ أَحَدُ سَبَبَيْ مَوْتِهِ لِأَنَّهُ يَخْتَنِقُ بِمَوْتِهَا إذْ تَنَفُّسُهُ بِتَنَفُّسِهَا فَلَا يَجِبُ الضَّمَانُ بِالشَّكِّ (وَمَا يَجِبُ فِي الْجَنِينِ يُورِثُ عَنْهُ) لِأَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ (وَلَا يَرِثُ مِنْهُ الضَّارِبُ) لِكَوْنِهِ قَاتِلًا مُبَاشِرًا ظُلْمًا وَلَا مِيرَاثَ لِلْقَاتِلِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ (وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ) أَيْ الرَّقِيقِ (لَوْ ذَكَرًا وَعُشْرُ قِيمَتِهِ لَوْ) كَانَ (أُنْثَى) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهِ عُشْرُ قِيمَةِ الْأُمِّ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ وَضَمَانُ الْأَجْزَاءِ يُؤْخَذُ مِقْدَارُهَا مِنْ الْأَصْلِ وَلِهَذَا وَجَبَ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ عُشْرُ دِيَتِهَا بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الْغُرَّةُ وَلَنَا أَنَّهُ بَدَلُ نَفْسِهِ لِأَنَّ ضَمَانَ الطَّرَفِ لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ ظُهُورِ النُّقْصَانِ فِي الْأَصْلِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي ضَمَانِ الْجَنِينِ فَكَانَ بَدَلَ نَفْسِ الْجَنِينِ فَيُقَدَّرُ بِهَا (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ نَقَصَتْ الْأُمُّ ضَمِنَ نُقْصَانَهَا وَإِلَّا فَلَا ضَمَانَ) أَيْ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: يَجِبُ ضَمَانُ النُّقْصَانِ لَوْ انْتَقَصَتْ الْأُمُّ بِإِلْقَائِهَا الْجَنِينَ اعْتِبَارًا بِجَنِينِ الْبَهَائِمِ لِأَنَّ الضَّمَانَ فِي قَتْلِ الرَّقِيقِ ضَمَانُ مَالٍ عِنْدَهُ فَجَازَ الِاعْتِبَارُ عَلَى أَصْلِهِ.
(فَإِنْ ضُرِبَتْ) أَيْ الْأَمَةُ (فَحَرَّرَ سَيِّدُهَا حَمْلَهَا فَأَلْقَتْهُ حَيًّا فَمَاتَ تَجِبُ قِيمَتُهُ) حَيًّا (لَا دِيَتُهُ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَتَرَتَّبُ عَلَى سَبَبِهِ فَسَبَبُ الْقَتْلِ هُنَا الضَّرْبُ السَّابِقُ فَحُمِلَ عَلَيْهِ فَلَزِمَتْهُ قِيمَتُهُ حَيًّا إذْ السَّبَبُ وَقَعَ فِي حَالَةِ الرِّقِّ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالَةِ الرَّمْيِ لَا الْوُصُولِ فَلَا تَجِبُ الدِّيَةُ (وَلَا كَفَّارَةَ فِي) إتْلَافِ (الْجَنِينِ) لِأَنَّ الشَّرْعَ إنَّمَا وَرَدَ بِإِيجَابِ الْكَفَّارَةِ فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ وَهُوَ جُزْءٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَكُنْ مَوْرِدُ النَّصِّ وَلَا فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِذَا لَمْ تَجِبْ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَإِنْ تَبَرَّعَ بِهَا احْتِيَاطًا فَهُوَ أَفْضَلُ لِارْتِكَابِهِ مَحْظُورًا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ فَإِتْلَافُ النَّفْسِ يُوجِبُ الْكَفَّارَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِمَّا صَنَعَ.
(وَ) الْجَنِينُ (الْمُسْتَبِينُ بَعْضُ خَلْقِهِ كَتَمَامِ الْخَلْقِ) أَيْ الْجَنِينُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ كَالْجَنِينِ التَّامِّ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ.
(وَإِنْ شَرِبَتْ حُرَّةٌ دَوَاءً أَوْ عَالَجَتْ فَرْجَهَا لِطَرْحِ جَنِينِهَا) حَتَّى طَرَحَتْهُ (فَالْغُرَّةُ عَلَى عَاقِلَتِهَا إنْ فَعَلَتْ بِلَا إذْنِ أَبِيهِ) لِأَنَّهَا أَتْلَفَتْهُ مُتَعَدِّيَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا ضَمَانُهُ وَتَتَحَمَّلُ عَنْهَا الْعَاقِلَةُ.
(وَإِنْ) فَعَلَتْ ذَلِكَ (بِإِذْنِهِ فَلَا) تَضْمَنُ الْغُرَّةَ عَاقِلَتُهَا إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهَا التَّعَدِّي بِسَبَبِ اسْتِبْذَالِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

.بَاب مَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيق:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَحْكَامِ الْقَتْلِ مُبَاشَرَةً عَقَّبَهُ بِذِكْرِ أَحْكَامِهِ تَسَبُّبًا وَالْأَوَّلُ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ لِأَنَّهُ قَتْلٌ بِلَا وَاسِطَةٍ وَلِكَثْرَةِ وُقُوعِهِ (مَنْ أَحْدَثَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا أَوْ مِيزَابًا أَوْ جُرْصُنًا) الْجُرْصُنُ قِيلَ: هُوَ الْبُرْجُ وَقِيلَ: جِذْعٌ يُخْرِجُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ الْحَائِطِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ وَقِيلَ هُوَ مَجْرَى مَاءٍ يُرَكَّبُ فِي الْحَائِطِ وَهُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الصَّادِ الْمُهْمَلَةِ (أَوْ دُكَّانًا وَسِعَهُ ذَلِكَ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ) أَيْ بِالْعَامَّةِ لِأَنَّ الطَّرِيقَ مُعَدٌّ لِلتَّطَرُّقِ فَلَهُ الِانْتِفَاعُ مَا لَمْ تَتَضَرَّرْ الْعَامَّةُ بِهِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِذَلِكَ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ فَمَا تَحَقَّقَ فِيهِ الضَّرَرُ يَأْثَمُ بِأَحْدَاثِهِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمْ) أَيْ الْعَامَّةِ (نَزْعُهُ) وَمُطَالَبَتُهُ بِالنَّقْضِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَهُ حَقٌّ فِيهِ بِالْمُرُورِ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حَقَّ النَّقْضِ لَوْ أَحْدَثَ غَيْرُهُمْ فِيهِ شَيْئًا هَذَا إذَا بَنَى لِنَفْسِهِ وَأَمَّا إذَا بَنَى لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا يُنْقَضُ كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَتَفْصِيلُ الْكَلَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَنَّهُ هَلْ لَهُ إحْدَاثُهُ فِي الطَّرِيقِ أَمْ لَا ؟ وَهَلْ لِأَحَدٍ الْخُصُومَةُ فِي مَنْعِهِ مِنْ الْإِحْدَاثِ فِيهِ وَرَفْعِهِ بَعْدَهُ ؟ وَهَلْ يَضْمَنُ فِيمَا تَلِفَ بِسَبَبِ الْإِحْدَاثِ ؟ أَمَّا الْإِحْدَاثُ فَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ: إنْ كَانَ الْإِحْدَاثُ يَضُرُّ بِأَهْلِ الطَّرِيقِ فَلَيْسَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ لَا يَضُرُّ بِأَحَدٍ لِسَعَةِ الطَّرِيقِ جَازَ إحْدَاثُهُ فِيهِ وَعَلَى هَذَا الْقُعُودُ فِي الطَّرِيقِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ يَجُوزُ إنْ لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ وَإِنْ أَضَرَّ لَمْ يَجُزْ وَأَمَّا الْخُصُومَةُ فِيهِ فَقَالَ الْإِمَامُ: لِكُلِّ أَحَدٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ وَأَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ أَضَرَّ أَوْ لَمْ يُضِرَّ إنْ كَانَ الْوَضْعُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي أُمُورِ الْعَامَّةِ مُفَوِّضٌ إلَى رَأْيِ الْإِمَامِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ مِنْ الْوَضْعِ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَلِّفَهُ الرَّفْعَ بَعْدَ الْوَضْعِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَمْنَعَهُ قَبْلَ الْوَضْعِ وَلَا بَعْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ بِالنَّاسِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِي إحْدَاثِهِ شَرْعًا وَأَمَّا الضَّمَانُ بِالْإِتْلَافِ فَسَيَأْتِي تَفْصِيلُهُ مَشْرُوحًا (وَفِي الطَّرِيقِ الْخَاصِّ لَا يَسَعُهُ بِلَا إذْنِ الشُّرَكَاءِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ) لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لَهُمْ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الشُّفْعَةُ لَهُمْ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ أَضَرَّ بِهِمْ أَوْ لَمْ يَضُرَّ إلَّا بِإِذْنِهِمْ بِخِلَافِ الْعَامِّ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ فِيهِ مِلْكٌ فَيَجُوزُ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ مَا لَمْ يَضُرَّ بِأَحَدٍ (وَعَلَى عَاقِلَتِهِ دِيَةُ مَنْ مَاتَ بِسُقُوطِهَا فِيهِمَا) كَمَا لَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقٍ خَاصٍّ أَوْ عَامٍّ أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِيهِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ فَتَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ دِيَتُهُ لِأَنَّهُ مُتَسَبِّبٌ لِهَلَاكِهِ مُتَعَدٍّ فِي إحْدَاثِهِ (وَكَذَا لَوْ عَثَرَ بِنَقْضِهِ إنْسَانٌ) فَيَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا ذَكَرَ مِنْ التَّسَبُّبِ.
(وَإِنْ وَقَعَ الْعَاثِرُ عَلَى آخَرَ فَمَاتَا فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَحْدَثَهُ) يَعْنِي إذَا مَاتَ الْعَاثِرُ وَالْآخَرُ الَّذِي مَاتَ بِوُقُوعِهِ عَلَيْهِمَا فَضَمَانُ دِيَتِهِمَا عَلَى الْمُحْدِثِ فِي الطَّرِيقِ مَا بِهِ الْإِتْلَافُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدَّافِعِ فَكَأَنَّهُ دَفَعَهُ بِيَدِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الَّذِي عَثَرَ لِأَنَّهُ مَدْفُوعٌ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ فَكَانَ كَالْآلَةِ.
(وَإِنْ أَصَابَهُ طَرَفُ الْمِيزَابِ الَّذِي فِي الْحَائِطِ فَلَا ضَمَانَ وَإِنْ) أَصَابَهُ (الطَّرَفُ الْخَارِجُ ضَمِنَ) يَعْنِي إذَا سَقَطَ عَلَيْهِ طَرَفُ الْمِيزَابِ فَقَتَلَهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ ذَلِكَ الطَّرَفُ مُتَمَكِّنًا فِي الْحَائِطِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى صَاحِبِ الْمِيزَابِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِمَا أَنَّهُ وَضَعَهُ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَهُ هُوَ الطَّرَفُ الْخَارِجُ مِنْ الْحَائِطِ ضَمِنَ الَّذِي وَضَعَهُ لِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِيهِ وَلَا ضَرُورَةَ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يُرَكِّبَهُ فِي الْحَائِطِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَلَا يُحْرَمُ مِنْ الْمِيرَاثِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ حَقِيقَةً وَلَوْ أَصَابَهُ الطَّرَفَانِ جَمِيعًا وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ النِّصْفُ وَهَدَرَ النِّصْفُ كَمَا إذَا جَرَحَهُ سَبُعٌ وَإِنْسَانٌ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ النِّصْفَ اعْتِبَارًا لِلْأَحْوَالِ لِأَنَّهُ يَضْمَنُ فِي حَالٍ وَلَا يَضْمَنُ فِي حَالٍ فَيَتَوَزَّعُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَحْوَالِ لِأَنَّ فِيهِ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ.
(كَمَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي الطَّرِيقِ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ) قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ مُتَعَلِّقٌ بِحَفَرَ وَوُضِعَ عَلَى التَّنَازُعِ وَقَوْلُهُ: فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ أَيْ يَضْمَنُ الدِّيَةَ عَاقِلَتُهُ يَعْنِي كَمَا أَنَّ مَنْ حَفَرَ بِئْرًا أَوْ وَضَعَ حَجَرًا فِي طَرِيقٍ فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ تَكُونُ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحَافِرِ أَوْ الْوَاضِعِ فَكَذَا تَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ تَسَبَّبَ لِتَلَفِ إنْسَانٍ بِسُقُوطِ مَا أَحْدَثَ مِنْ الْكَنِيفِ وَالْمِيزَابِ وَالْجُرْصُنِ وَالدُّكَّانِ.
(وَإِنْ تَلِفَ بِهِ بَهِيمَةٌ فَضَمَانُهَا فِي مَالِهِ) أَيْ إذَا تَلِفَ بِالْحَفْرِ أَوْ الْوَضْعِ أَوْ السُّقُوطِ بَهِيمَةٌ فَضَمَانُ تِلْكَ الْبَهِيمَةِ فِي مَالِ الْمُتَسَبِّبِ بِمَا ذُكِرَ أَمَّا الضَّمَانُ فَلِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَيَضْمَنُ وَأَمَّا عَدَمُ تَضْمِينِ الْعَاقِلَةِ فَلِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ الْمَالِ وَإِنَّمَا تَتَحَمَّلُ ضَمَانَ النَّفْسِ.
(وَإِلْقَاءُ التُّرَابِ وَاِتِّخَاذُ الطِّينِ) فِي الطَّرِيقِ (كَوَضْعِ الْحَجَرِ) فِي وُجُوبِ الضَّمَانِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ تَسَبُّبٌ بِنَوْعٍ مِنْ التَّعَدِّي (وَهَذَا) أَيْ وُجُوبُ الضَّمَانِ (إذَا فَعَلَهُ) أَيْ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ (بِلَا إذْنِ الْإِمَامِ) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لِوُجُودِ التَّعَدِّي (فَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِإِذْنِهِ) أَيْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ (فَلَا ضَمَانَ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ حَيْثُ فَعَلَ بِأَمْرِ مَنْ لَهُ الْوِلَايَةُ فِي حُقُوقِ الْعَامَّةِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهُوَ مُتَعَدٍّ إمَّا بِالتَّصَرُّفِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْ بِالِافْتِيَاتِ عَلَى رَأْيِ الْإِمَامِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالِافْتِيَاتُ الِاسْتِبْدَادُ بِالرَّأْيِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَكَذَا لَوْ حَفَرَ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ وَكَذَلِكَ إذَا حَفَرَ فِي فِنَاءِ دَارِهِ لِأَنَّ لَهُ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ وَقِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الْفِنَاءُ مَمْلُوكًا لَهُ إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ الْحَفْرِ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ (وَلَوْ مَاتَ الْوَاقِعُ فِي الْبِئْرِ جُوعًا أَوْ غَمًّا فَلَا ضَمَانَ عَلَى حَافِرِهِ وَإِنْ) وَصْلِيَّةَ حَفْرٍ (بِلَا إذْنِ) الْإِمَامِ لِأَنَّهُ مَاتَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَهُوَ الْجُوعُ وَالْغَمُّ وَالضَّمَانُ إنَّمَا يَجِبُ إذَا مَاتَ مِنْ الْوُقُوعِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الضَّمَانُ) فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا لِأَنَّ ذَلِكَ حَصَلَ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ فِي الْبِئْرِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا مَاتَ جُوعًا وَلَا غَمًّا.
(وَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ) عَلَيْهِ الضَّمَانُ (فِي الْغَمِّ لَا فِي الْجُوعِ) لِأَنَّهُ لَا سَبَبَ لِلْغَمِّ سِوَى الْوُقُوعِ فِيهِ وَأَمَّا الْجُوعُ وَالْعَطَشُ فَلَا يَخْتَصَّانِ بِالْبِئْرِ.
(وَإِنْ وَضَعَ حَجَرًا فَنَحَّاهُ آخَرُ فَضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ عَلَى الثَّانِي) لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ قَدْ انْتَسَخَ فَكَانَ الضَّمَانُ عَلَى الَّذِي نَحَّاهُ لِفَرَاغِ مَا شَغَلَهُ وَإِنَّمَا اشْتَغَلَ بِفِعْلِ الثَّانِي مَوْضِعَ آخَرَ.
(وَلَوْ أَشْرَعَ) أَيْ أَخْرَجَ (جَنَاحًا) إلَى الطَّرِيقِ قَالَ صَاحِبُ الْقَامُوسِ الْجُنَاحُ الرَّوْشَنُ ثُمَّ قَالَ الرَّوْشَنُ الْكُوَّةُ.
وَقَالَ فِي الْمُغْرِبِ الرَّوْشَنُ الْمَمَرُّ عَلَى الْعُلُوِّ.
وَقَالَ صَاحِبُ الْكِفَايَةِ: الرَّوْشَنُ هُوَ الْخَشَبَةُ الْمَوْضُوعَةُ عَلَى جِدَارِ السَّطْحَيْنِ تَتَمَكَّنُ مِنْ الْمُرُورِ.
وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: أَشْرَاعُ الْجَنَاحِ إخْرَاجُ الْجُذُوعِ إلَى الطَّرِيقِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ إنْ يُرَادَ هُنَا (فِي دَارٍ ثُمَّ بَاعَهَا) أَيْ الدَّارَ (فَضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهِ) أَيْ بِالْجَنَاحِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَائِعِ لِأَنَّ فِعْلَهُ وَهُوَ الْإِشْرَاعُ لَمْ يَنْفَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ.
(وَكَذَا لَوْ وَضَعَ خَشَبَةً فِي الطَّرِيقِ ثُمَّ بَاعَهَا) أَيْ الْخَشَبَةَ (وَبَرِئَ) الْبَائِعُ (الْمُشْتَرِي) مُتَعَلِّقٌ بِبَرِئَ عَلَى تَضْمِينِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ كَمَا فِي أَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى إلَيْك (مِنْهَا) أَيْ مِنْ الْخَشَبَةِ (فَتَرَكَهَا) أَيْ الْخَشَبَةَ (الْمُشْتَرِي فَضَمَانُ مَا تَلِفَ بِهَا) أَيْ بِالْخَشَبَةِ (عَلَى الْبَائِعِ) أَيْضًا لِأَنَّ فِعْلَهُ وَهُوَ الْوَضْعُ لَمْ يَنْفَسِخْ بِزَوَالِ مِلْكِهِ وَهُوَ أَعْنِي الْوَضْعَ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ.
(وَلَوْ وَضَعَ فِي طَرِيقٍ جَمْرًا فَأَحْرَقَ) ذَلِكَ الْجَمْرُ (شَيْئًا ضَمِنَهُ) أَيْ يَضْمَنُ الْوَاضِعُ مَا أَحْرَقَهُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ الْوَضْعِ.
(وَلَوْ أَحْرَقَ بَعْدَمَا حَرَّكَتْهُ) أَيْ الْجَمْرَ (الرِّيحُ إلَى مَوْضِعٍ) آخَرَ (لَا يَضْمَنُ) لِنَسْخِ الرِّيحِ فِعْلَهُ (إنْ كَانَتْ) أَيْ الرِّيحُ (سَاكِنَةً عِنْدَ وَضْعِهِ) أَيْ الْجَمْرِ.
وَفِي النِّهَايَةِ لَوْ حَرَّكَتْ الرِّيحُ عَيْنَ الْجَمْرِ وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّ عِنْدَ بَعْضِ أَصْحَابِنَا أَنَّ الرِّيحَ إذَا هَبَّتْ بِشَرَرِهَا فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا فَإِنَّ الضَّمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّ الرِّيحَ إذَا هَبَّتْ بِشَرَرِهَا وَلَمْ تَذْهَبْ بِعَيْنِهَا فَالْعَيْنُ بَاقِيَةٌ فِي مَكَانِهَا فَكَانَتْ الْجِنَايَةُ بَاقِيَةً فَيَكُونُ الضَّمَانُ عَلَيْهِ وَقَدْ مَرَّ ذَلِكَ مُفَصَّلًا وَقِيلَ: إذَا كَانَ الْيَوْمُ رِيحًا يَضْمَنُهُ هَذَا اخْتِيَارُ السَّرَخْسِيِّ وَكَانَ الْحَلْوَانِيُّ لَا يَقُولُ بِالضَّمَانِ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ.
(وَيَضْمَنُ مَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ) أَيْ الْمَحْمُولِ (مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَامِلِ يَعْنِي مَنْ حَمَلَ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ الْمَحْمُولُ عَلَى إنْسَانٍ أَوْ غَيْرِهِ فَتَلِفَ ضَمِنَ الْحَامِلُ لِأَنَّ حَمْلَ الْمَتَاعِ فِي الطَّرِيقِ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ عَلَى ظَهْرِهِ مُبَاحٌ لَهُ لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ إلَى الْهَدَفِ أَوْ الصَّيْدِ.
(وَكَذَا) يَضْمَنُ (مَنْ أَدْخَلَ حَصِيرًا أَوْ قِنْدِيلًا أَوْ حَصَاةً إلَى مَسْجِدِ غَيْرِهِ) أَيْ غَيْرِ حَيِّهِ (بِلَا إذْنٍ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ) هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ تَدْبِيرَ أُمُورِ الْمَسْجِدِ مُسَلَّمٌ إلَى أَهْلٍ دُونَ غَيْرِهِ فَيَكُونُ فِعْلُ الْغَيْرِ تَعَدِّيًا أَوْ مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَقَصْدُ الْقُرْبَةِ وَالْخَيْرِ لَا يُنَافِي الْغُرْمَ إذَا أَخْطَأَ الطَّرِيقَ (خِلَافًا لَهُمَا) لِأَنَّ عِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْقُرْبَةَ لَا تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ.
(وَلَوْ أَدْخَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ إلَى مَسْجِدِ حَيِّهِ لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا) لِأَنَّ هَذِهِ مِنْ الْقُرَبِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مَأْذُونٌ فِي إقَامَةِ ذَلِكَ فَلَا تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا.
(وَكَذَا) لَا يَضْمَنُ (لَوْ تَلِفَ شَيْءٌ بِسُقُوطِ رِدَاءٍ هُوَ لَابِسُهُ) إذَا اللَّابِسُ لَا يَقْصِدُ حِفْظَ مَا يَلْبَسُهُ فَيَقَعُ الْحَرَجُ بِالتَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا لَبِسَ مَا لَا يُلْبَسُ عَادَةً كَدُرُوعِ الْحَرْبِ وَالْجَوَالِقِ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَتَلِفَ يَضْمَنُ لِأَنَّ هَذَا اللُّبْسَ بِمَنْزِلَةِ الْحِمْلِ وَفِي الْحِمْلِ يَضْمَنُ.
(وَمَنْ جَلَسَ فِي الْمَسْجِدِ غَيْرَ مُصَلٍّ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ ضَمِنَهُ) عِنْدَ الْإِمَامِ (خِلَافًا لَهُمَا) فَإِنَّهُمَا قَالَا: لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ جُلُوسِهِ لِأَجْلِ الصَّلَاةِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ وَبَيْنَ أَنْ يَمُرَّ فِيهِ) لِحَاجَةٍ مِنْ الْحَوَائِجِ (أَوْ يَقْعُدَ لِلْحَدِيثِ) وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَلَا يُمْكِنُهُ أَدَاءُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ إلَّا بِانْتِظَارِهَا فَكَانَ الْجُلُوسُ مُبَاحًا لِأَنَّهُ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لِلشَّيْءِ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ مُلْحَقَةٌ بِهَا فَلَا بُدَّ مِنْ إظْهَارِ التَّفَاوُتِ فَجَعَلْنَا الْجُلُوسَ لِلْأَصْلِ مُبَاحًا مُطْلَقًا وَالْجُلُوسُ لِمَا يَلْحَقُ بِهِ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَا ضَرَرَ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مُبَاحًا أَوْ مَنْدُوبًا إلَيْهِ وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْكَافِرِ وَإِلَى الصَّيْدِ وَالْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ وَالْمَشْيِ فِي الْمَسْجِدِ إذَا وَطِئَ غَيْرَهُ وَالنَّوْمِ فِيهِ إذَا انْقَلَبَ عَلَى غَيْرِهِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَنَّ الْجَالِسَ لِلِانْتِظَارِ لَا يَضْمَنُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي عَمَلٍ لَا يَكُونُ لَهُ اخْتِصَاصٌ بِالْمَسْجِدِ كَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَدَرْسِ الْفِقْهِ وَالْحَدِيثِ (وَلَا) فَرْقَ أَيْضًا (بَيْنَ مَسْجِدِ حَيِّهِ وَغَيْرِهِ) فِي الصَّحِيحِ (أَمَّا الْمُعْتَكِفُ فَقِيلَ: عَلَى هَذَا الْخِلَافِ وَقِيلَ: لَا يَضْمَنُ بِلَا خِلَافٍ) وَذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ: إنْ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ مُعْتَكِفًا لَا يَضْمَنُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمِنَحِ (وَفِي الْجَالِسِ مُصَلِّيًا لَا يَضْمَنُ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ) الْجَالِسُ (مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ) لِأَنَّ الْمَسْجِدَ بُنِيَ لِلصَّلَاةِ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِذَلِكَ.
(وَلَوْ اسْتَأْجَرَ رَبُّ الدَّارِ عَمَلَةً) جَمْعُ عَامِلٍ (لِإِخْرَاجِ الْجَنَاحِ أَوْ الظُّلَّةِ) مِنْ الدَّارِ (فَتَلِفَ بِهِ) أَيْ بِالْإِخْرَاجِ شَيْءٌ (فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمْ إنْ) كَانَ التَّلَفُ (قَبْلَ فَرَاغِ عَمَلِهِمْ) لِأَنَّ التَّلَفَ بِفِعْلِهِمْ وَمَا لَمْ يَفْرُغُوا لَمْ يَكُنْ الْعَمَلُ مُسَلَّمًا إلَى رَبِّ الدَّارِ وَهَذَا لِأَنَّهُ انْقَلَبَ فِعْلُهُمْ قَتْلًا حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ وَالْقَتْلُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي عَقْدِهِ فَلَمْ يَتَسَلَّمْ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِمْ (وَإِنْ) كَانَ التَّلَفُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِ عَمَلِهِ (فَعَلَيْهِ) أَيْ الضَّمَانُ يَكُونُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّهُ صَحَّ الِاسْتِئْجَارُ حَتَّى لَوْ اسْتَحَقُّوا الْأَجْرَ وَوَقَعَ فِعْلُهُمْ عِمَارَةً وَإِصْلَاحًا فَانْتَقَلَ فِعْلُهُمْ إلَيْهِ فَكَأَنَّهُ فَعَلَ بِنَفْسِهِ فَلِهَذَا يَضْمَنُهُ.
(وَيَضْمَنُ مَنْ صَبَّ الْمَاءَ فِي الطَّرِيقِ الْعَامِّ مَا عَطِبَ بِهِ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِيهِ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمَارَّةِ.
(وَكَذَا إذَا رَشَّهُ) أَيْ رَشَّ الْمَاءَ (بِحَيْثُ يُزْلَقُ فِيهِ) مَنْ مَشَى عَلَيْهِ (أَوْ تَوَضَّأَ بِهِ) أَيْ بِالْمَاءِ فِي الطَّرِيقِ (وَاسْتَوْعَبَ) الْمَاءُ (الطَّرِيقَ) فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ لِمَا سَبَقَ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ بِإِلْحَاقِ الضَّرَرِ بِالْمَارَّةِ.
(وَإِنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) الْمَذْكُورِ مِنْ الصَّبِّ وَالرَّشِّ وَالْوُضُوءِ (فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ وَهُوَ) أَيْ الْفَاعِلُ (مِنْ أَهْلِهَا) أَيْ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ السِّكَّةِ (أَوْ قَعَدَ فِيهَا) أَيْ فِي تِلْكَ السِّكَّةِ (أَوْ وَضَعَ مَتَاعَهُ) فِيهَا (لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فِيهَا لِكَوْنِهِ مِنْ ضَرُورَاتِ السُّكْنَى كَمَا فِي الدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مَا هُوَ مِنْ ضَرُورَةِ السُّكْنَى.
(وَكَذَا) لَا يَضْمَنُ (إنْ رَشَّ مَا لَا يُزْلَقُ بِهِ عَادَةً أَوْ) تَوَضَّأَ بِهِ وَاسْتَوْعَبَ الْمَاءَ (بَعْضُ الطَّرِيقِ) لَا كُلُّهُ (فَتَعَمَّدَ الْمَارُّ الْمُرُورَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى بَعْضِ الطَّرِيقِ الَّذِي فِيهِ الْمَاءُ مَعَ إمْكَانِ أَنْ لَا يَمُرَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي خَاطَرَ بِنَفْسِهِ فَصَارَ كَمَنْ وَثَبَ عَلَى الْبِئْرِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ فَوَقَعَ فِيهَا بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَوَقَعَ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ بِأَنْ كَانَ الْمُرُورُ لَيْلًا أَوْ كَانَ الْمَارُّ أَعْمَى فَإِنَّهُ يَضْمَنُ.
(وَوَضْعُ الْخَشَبَةِ) فِي الطَّرِيقِ (كَالرَّشِّ فِي اسْتِيعَابِ الطَّرِيقِ وَعَدَمِهِ) يَعْنِي إذَا اسْتَوْعَبَتْ الْخَشَبَةُ الطَّرِيقَ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ تَسْتَوْعِبْهُ لَا يَضْمَنُ.
وَفِي الْمِنَحِ وَلَوْ حَفَرَ فِي مَفَازَةٍ أَوْ نَحْوِهَا مِنْ الطَّرِيقِ فِي غَيْرِ الْأَمْصَارِ أَوْ ضَرَبَ فُسْطَاطًا أَوْ نَصَبَ تَنُّورًا أَوْ رَبَطَ دَابَّةً لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْفُقَهَاءِ وَفِيهِ حَفَرَ بِئْرًا فِي طَرِيقِ مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْفَيَافِي لَمْ يَضْمَنْ بِخِلَافِ الْأَمْصَارِ دُونَ الْفَيَافِي وَالصَّحَارِي لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الْعُدُولُ عَنْهُ فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الصَّحَارِي.
(وَإِنْ رَشَّ فِنَاءَ حَانُوتٍ بِإِذْنِ صَاحِبِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ اسْتِحْسَانًا كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهُ) أَيْ الْأَجِيرُ (لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ) فَإِنَّهُ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْآمِرِ دُونَ الْأَجِيرِ (وَلَوْ كَانَ أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ) لِفَسَادِ الْأَمْرِ.
(وَلَوْ كَنَسَ الطَّرِيقَ لَا يَضْمَنُ مَا تَلِفَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ) وَفِي الْكَافِي وَإِنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَبْنِيَ لَهُ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ إنْسَانٌ بَعْدَ فَرَاغِهِ فَمَاتَ يَضْمَنُ الْآمِرُ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ أَمَرَهُ بِالْبِنَاءِ فِي وَسَطِ الطَّرِيقِ ضَمِنَ الْأَجِيرُ لِفَسَادِ الْأَمْرِ بِخِلَافِ الْبِنَاءِ فِي فِنَاءِ حَانُوتِهِ لِأَنَّهُ يُبَاحُ لَهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ إحْدَاثُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي فِنَائِهِ إذَا كَانَ لَا يَتَضَرَّرُ بِهِ غَيْرُهُ وَقَدْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِذَلِكَ فِي بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ فَاعْتُبِرَ أَمْرُهُ فِي ذَلِكَ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ الْبِنَاءُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لَهُ يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلَوْ كَنَسَ الطَّرِيقَ فَعَطِبَ بِمَوْضِعِ كَنْسِهِ إنْسَانٌ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّهُ مَا أَحْدَثَ فِي الطَّرِيقِ شَيْئًا وَإِنَّمَا كَنَسَ الطَّرِيقَ لِئَلَّا يَتَضَرَّرُ بِهِ الْمَارَّةُ وَلَا يُؤْذِيهِمْ التُّرَابُ وَلَا يَكُونُ هُوَ مُتَعَدِّيًا فِي هَذَا التَّسَبُّبِ (وَلَوْ جَمَعَ الْكُنَاسَةَ فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهَا) أَيْ بِالْكُنَاسَةِ لِتَعَدِّيهِ بِوَضْعِ مَا شَغَلَ الطَّرِيقَ.
(وَلَا ضَمَانَ فِيمَا تَلِفَ بِشَيْءٍ فُعِلَ فِي الْمِلْكِ) لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِيهِ شَرْعًا فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا (أَوْ فِي فِنَاءِ) عَطْفٌ عَلَى تَلِفَ (لَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (فِيهِ) أَيْ فِي ذَلِكَ الْفِنَاءِ (حَقُّ التَّصَرُّفِ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامَّةِ وَلَا مُشْتَرَكًا لِأَهْلِ سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ لِمَصْلَحَةِ دَارِهِ وَالْفِنَاءُ فِي تَصَرُّفِهِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ أَمَّا إذَا كَانَ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُشْتَرَكًا بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُهُ لِأَنَّهُ مُسَبِّبٌ مُتَعَدٍّ لِفِعْلِهِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ.
(وَإِنْ اسْتَأْجَرَ مَنْ حَفَرَ لَهُ فِي غَيْرِ فِنَائِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْمُسْتَأْجِرِ) لَا عَلَى الْأَجِيرِ (إنْ لَمْ يَعْلَمْ الْأَجِيرُ أَنَّهُ غَيْرُ فِنَائِهِ) لِأَنَّ الْأَجِيرَ يَعْمَلُ لَهُ وَلِهَذَا يَسْتَوْجِبُ عَلَيْهِ وَقَدْ صَارَ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ لَمْ يُعْلِمْهُ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِنَائِهِ وَإِنَّمَا حَفَرَ اعْتِمَادًا عَلَى أَمْرِهِ فَلِدَفْعِ ضَرَرِ الْغُرُورِ نُقِلَ فِعْلُهُ إلَى الْآخَرِ.
(وَإِنْ عَلِمَ) الْأَجِيرُ أَنَّهُ غَيْرُ فِنَائِهِ (فَعَلَى الْأَجِيرِ) أَيْ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ لَمْ يَصِحَّ أَمْرُهُ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَلَا غُرُورَ مِنْ جِهَتِهِ لِعِلْمِهِ بِذَلِكَ فَبَقِيَ مُضَافًا إلَيْهِ.
(وَإِنْ قَالَ) الْمُسْتَأْجِرُ: (هُوَ فِنَائِي وَلَيْسَ لِي فِيهِ حَقُّ الْحَفْرِ فَالضَّمَانُ عَلَى الْأَجِيرِ قِيَاسًا) لِعِلْمِهِ بِفَسَادِ الْأَمْرِ فَلَمْ يُوجَدْ الْغُرُورُ (وَعَلَى الْمُسْتَأْجِرِ اسْتِحْسَانًا) لِأَنَّ كَوْنَهُ فِنَاءً لَهُ بِمَنْزِلَةِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا لَهُ لِانْطِلَاقِ يَدِهِ فِي التَّصَرُّفِ مِنْ إلْقَاءِ الطِّينِ وَالْحَطَبِ وَرَبْطِ الدَّابَّةِ وَالرُّكُوبِ وَبِنَاءِ الدُّكَّانِ فَكَانَ أَمْرًا بِالْحَفْرِ فِي مِلْكِهِ ظَاهِرًا بِالنَّظَرِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَكَفَى ذَلِكَ لِنَقْلِ الْفِعْلِ إلَيْهِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: إذَا كَانَ الطَّرِيقُ مَعْرُوفًا أَنَّهُ لِلْعَامَّةِ ضَمِنَ سَوَاءٌ قَالَ لَهُ إنَّهُ لِي أَوْ لَمْ يَقُلْ لِعِلْمِهِ بِفَسَادِ أَمْرِهِ.
(وَمَنْ بَنَى قَنْطَرَةً) أَيْ عَلَى نَهْرٍ كَبِيرٍ (بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ فَتَعَمَّدَ أَحَدٌ الْمُرُورَ عَلَيْهَا) أَيْ عَلَى تِلْكَ الْقَنْطَرَةِ (فَعَطِبَ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْبَانِي) لِأَنَّهُ إذَا تَعَمَّدَ الْمُرُورَ وَكَانَ بَصِيرًا وَيَجِدُ مَوْضِعًا آخَرَ لِلْمُرُورِ صَارَ كَأَنَّهُ أَتْلَفَ نَفْسَهُ فَنُسِبَ التَّلَفُ إلَيْهِ دُونَ الْمُتَسَبِّبِ فَإِذَا لَمْ يَتَعَمَّدْ بِأَنْ كَانَ أَعْمَى أَوْ مَرَّ لَيْلًا يَضْمَنُ إذَا وَضَعَهُ بِغَيْرِ إذْنِ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا وَضَعَهُ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَلَا يَضْمَنُ.

.فَصْلٌ في أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَادِ:

لَمَّا ذَكَرَ أَحْكَامَ مَسَائِلِ الْقَتْلِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالْإِنْسَانِ مُبَاشَرَةً وَتَسَبُّبًا شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الْقَتْلِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْجَمَادِ (إنْ مَالَ حَائِطٌ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَطُولِبَ رَبُّهُ) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ (بِنَقْضِهِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ) رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ حُرٍّ أَوْ مُكَاتَبٍ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْمُرُورِ شُرَكَاءُ مِمَّنْ يَمْلِكُ نَقْضَهُ وَهَدْمَهُ فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ (وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ) بِأَنْ يَقُولَ إنَّ حَائِطَك هَذَا مَخُوفٌ أَوْ مَائِلٌ فَانْقُضْهُ حَتَّى لَا يَسْقُطَ أَوْ اهْدِمْهُ فَإِنَّهُ مَائِلٌ وَالْإِشْهَادُ بَعْدَ الطَّلَبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فَيَكُونُ ذِكْرُ الْإِشْهَادِ فِيمَا ذُكِرَ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ إثْبَاتِ الطَّلَبِ عِنْدَ الْإِنْكَارِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الِاحْتِيَاطِ وَهَذَا لَا يَنْفِي وُجُودَ مَعْنَى الْإِشْهَادِ إذَا وَقَعَ الطَّلَبُ عِنْدَ الشُّهُودِ بَلْ يَنْبَغِي الْإِشْهَادُ بِلَفْظِ اشْهَدُوا وَتَدُلُّ عَلَيْهِ عِبَارَةُ الْإِشْهَادِ.
وَفِي الْمِنَحِ لَوْ قَالَ اشْهَدُوا أَنِّي تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي هَدْمِ حَائِطِهِ هَذَا صَحَّ أَيْضًا وَلَوْ قَالَ: يَنْبَغِي لَك أَنْ تَهْدِمَهُ فَهَذَا لَيْسَ بِطَلَبٍ وَلَا إشْهَادٍ بَلْ هُوَ مَشُورَةٌ (فَلَمْ يَنْقُضْهُ فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ نَقْضُهُ فِيهَا فَتَلِفَ بِهِ) أَيْ بِانْهِدَامِهِ (نَفْسٌ أَوْ مَالٌ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ) أَيْ عَاقِلَةُ رَبِّ الْحَائِطِ (النَّفْسَ، وَ) ضَمِنَ (هُوَ) أَيْ رَبُّ الْحَائِطِ (الْمَالَ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ صُنْعٌ هُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ لِأَنَّهُ بَنَى الْحَائِطَ فِي مِلْكِهِ وَالسُّقُوطُ وَالْمَيَلَانُ لَيْسَ مِنْ صُنْعِهِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا قَبْلَ الْإِشْهَادِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ إذَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَقَدْ شَغَلَ هَوَاءَ الطَّرِيقِ بِحَائِطِهِ وَوَقَعَ فِي يَدِهِ هَوَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَرَفَعَهُ فِي يَدِهِ فَإِذَا طُولِبَ بِالنَّقْضِ وَتَفْرِيغِ الْهَوَاءِ عَنْ هَذَا الشَّغْلِ لَزِمَهُ ذَلِكَ فَإِذَا لَمْ يَفْرُغْ مَعَ التَّمَكُّنِ صَارَ خَائِنًا كَأَنَّهُ شَغَلَ ابْتِدَاءً بِاخْتِيَارِهِ.
(وَكَذَا لَوْ طُولِبَ بِهِ مَنْ يَمْلِكُ نَقْضَهُ كَأَبِ الطِّفْلِ) الَّذِي وَقَعَ فِي عَامَّةِ النُّسَخِ بِدُونِ الْيَاءِ فِي أَبٍ لَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنْ يُرْسَمَ بِالْيَاءِ (وَوَصِيِّهِ) لِقِيَامِ الْوِلَايَةِ لَهُمَا بِالنَّقْضِ فِي حَقِّهِ (وَالرَّاهِنِ) فَيَصِحُّ التَّقَدُّمُ إلَيْهِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النَّقْضِ (بِفَكِّ الرَّهْنِ) وَإِرْجَاعِ الْمَرْهُونِ إلَى يَدِهِ (وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ) وَلَوْ مَدْيُونًا لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ النَّقْضِ ثُمَّ مَا تَلِفَ بِالسُّقُوطِ إنْ كَانَ مَالًا فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ نَفْسًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى لَوْ كَانَ عَاقِلَةٌ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْمَوْلَى وَضَمَانُ الْمَالِ أَلْيَقُ بِالْعَبْدِ وَضَمَانُ النَّفْسِ بِالْمَوْلَى (وَالْمُكَاتَبِ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا فَيَكُونُ وِلَايَةُ النَّقْضِ لَهُ وَضَمَانُ مَا تَلِفَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فِيهِ حُكْمُ ضَمَانِ مَا تَلِفَ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ (وَلَا يَضْمَنُ إنْ بَاعَهُ) أَيْ الْحَائِطَ رَبُّهُ (بَعْدَ الْإِشْهَادِ وَسَلَّمَهُ إلَى الْمُشْتَرِي فَسَقَطَ) لِأَنَّهُ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ سَوَاءٌ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوْ لَا كَمَا فِي الدُّرَرِ وَعَزَاءً إلَى الْكَافِي وَلَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ لَفْظٌ أَوْ لَا.
وَفِي الْجَوْهَرَةِ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الْقَبْضِ حَيْثُ قَالَ وَلَوْ: بَاعَ الدَّارَ بَعْدَمَا أَشْهَدَ عَلَيْهِ وَقَبَضَهَا الْمُشْتَرِي بَرِئَ مِنْ ضَمَانِهِ.
وَفِي الْمِنَحِ فَإِنْ قُلْت هَلْ قَوْلُهُمْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ قُيِّدَ أَوْ لَا قُلْت لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ غَيْرُ الْبَيْعِ كَذَلِكَ كَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا قَالَ فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ إذَا أَشْهَدَ عَلَى صَاحِبِ الْحَائِطِ الْمَائِلِ بِالنَّقْضِ ثُمَّ خَرَجَ الْحَائِطُ عَنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ بَطَلَ الْإِشْهَادُ وَالتَّقَدُّمُ حَتَّى إذَا عَادَ إلَى مِلْكِهِ فَسَقَطَ بَعْدَ تَمَكُّنِ النَّقْضِ أَوْ قَبْلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِذَلِكَ الْإِشْهَادِ انْتَهَى (وَلَا) يَضْمَنُ (إنْ طُولِبَ بِهِ) أَيْ بِالنَّقْضِ (مَنْ لَا يَمْلِكُهُ) أَيْ النَّقْضَ (كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودِعِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ قُدْرَةٌ عَلَى التَّصَرُّفِ فَلَا يُفِيدُ طَلَبُ النَّقْضِ مِنْهُمْ وَلِهَذَا لَا يَضْمَنُونَ بِمَا تَلِفَ مِنْ سُقُوطِهِ.
(وَإِنْ بَنَاهُ) أَيْ الْحَائِطَ صَاحِبُهُ (مَائِلًا ابْتِدَاءً ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِسُقُوطِهِ وَإِنْ لَمْ يُطَالِبْ بِنَقْضِهِ كَمَا فِي إشْرَاعِ الْجَنَاحِ وَنَحْوِهِ) وَهُوَ إخْرَاجُ الْجُذُوعِ مِنْ الْجِدَالِ إلَى الطَّرِيقِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ وَالْكَنِيفِ لِتَعَدِّيهِ بِالْبِنَاءِ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ.
(فَإِنْ مَالَ) أَيْ الْحَائِطُ (إلَى دَارِ رَجُلٍ فَالطَّلَبُ لِرَبِّهَا) أَيْ لِرَبِّ الدَّارِ لِأَنَّ الطَّلَبَ حَقٌّ لَهُ (أَوْ سَاكِنِهَا) أَيْ سَاكِنِ الدَّارِ فَلِلسُّكَّانِ أَنْ يُطَالِبُوهُ لِأَنَّ لَهُمْ الْمُطَالَبَةَ بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ الدَّارَ فَكَذَا بِإِزَالَةِ مَا شَغَلَ هَوَاءَهَا (فَيَصِحُّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ) أَيْ يَصِحُّ تَأْجِيلُ كُلٍّ مِنْ مَالِكِ الدَّارِ وَإِبْرَاؤُهُ حَتَّى لَوْ سَقَطَ بَعْدَ مُدَّةِ الْأَجَلِ وَبَعْدَ الْإِبْرَاءِ وَتَلِفَ بِهِ شَيْءٌ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فَيَصِحُّ تَأْجِيلُهُ وَإِسْقَاطُهُ.
(وَلَا يَصِحُّ التَّأْجِيلُ فِيمَا مَالَ إلَى الطَّرِيقِ) لِأَنَّ الْحَقَّ لِجَمَاعَةِ النَّاسِ (وَلَوْ) كَانَ أَيْ التَّأْجِيلُ (مِنْ الْقَاضِي أَوْ الْمُشْهَدِ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْمَارَّةِ وَلَيْسَ لِلْقَاضِي وَلَا لِلْمُشْهَدِ عَلَى صِيغَةِ اسْمِ الْفَاعِلِ إبْطَالُ حَقِّهِمْ.
(وَلَوْ كَانَ الْحَائِطُ بَيْنَ خَمْسَةٍ فَأُشْهِدَ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ (عَلَى أَحَدِهِمْ) أَيْ أَحَدِ الْخَمْسَةِ (ضَمِنَ خُمْسَ مَا تَلِفَ بِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ (وَعِنْدَهُمَا نِصْفُهُ) أَيْ نِصْفُ مَا تَلِفَ بِهِ لِأَنَّ التَّلَفَ بِنَصِيبِ مَنْ أُشْهِدَ عَلَيْهِ مُعْتَبَرٌ وَبِنَصِيبِ مَنْ لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهِ هَدَرٌ فَكَانَا قِسْمَيْنِ فَانْقَسَمَ نِصْفَيْنِ كَمَا مَرَّ فِي عَقْرِ الْأَسَدِ وَنَهْشِ الْحَيَّةِ وَجُرْحِ الرَّجُلِ حَيْثُ يَلْزَمُ الْجَارِحَ نِصْفُ الدِّيَةِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْمَوْتَ حَصَلَ بِعِلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الثِّقَلُ الْمُقَدَّرُ وَالْعُمْقُ الْمُقَدَّرُ لِأَنَّ أَصْلَ ذَلِكَ لَيْسَ بِعِلَّةٍ وَهُوَ الْقَلِيلُ حَتَّى يُعْتَبَرُ كُلُّ جُزْءٍ عِلَّةً فَتَجْتَمِعُ الْعِلَلُ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يُضَافُ إلَى الْعِلَّةِ الْوَاحِدَةِ ثُمَّ يُقَسَّمُ عَلَى أَرْبَابِهَا بِقَدْرِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ الْجِرَاحَاتِ فَإِنَّ كُلَّ جِرَاحَةٍ عِلَّةُ التَّلَفِ بِنَفْسِهَا صَغُرَتْ أَوْ كَبِرَتْ عَلَى مَا عُرِفَتْ إلَّا أَنَّ عِنْدَ الْمُزَاحَمَةِ أُضِيفَ إلَى الْكُلِّ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ حَفَرَ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ فِي دَارٍ) هِيَ (لَهُمْ بِئْرًا بِغَيْرِ إذْنِ شَرِيكَيْهِ أَوْ بَنَى حَائِطًا ضَمِنَ ثُلُثَيْ مَا تَلِفَ بِهِ) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا) ضَمِنَ (نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ مَا تَلِفَ بِهِ وَالدَّلِيلُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ هُوَ مَا ذُكِرَ فِي مَسْأَلَةِ الشُّرَكَاءِ السَّالِفَةِ قَبْلَ هَذَا.

.بَاب فِي جِنَايَة الْبَهِيمَة وَالْجِنَايَة عَلَيْهَا:

جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ (عَلَيْهَا يَضْمَنُ الرَّاكِبُ) أَيْ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِلْكَهُ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ فَيَضْمَنُ لِلتَّعَدِّي (مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ أَوْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ كَدَمَتْ أَوْ خَبَطَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ صَدَمَتْ) وَالْأَصْلُ فِي هَذَا أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمَشْيِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرِيقِ مُشْتَرِكٌ بَيْنَ النَّاسِ فَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ فَالْجِنَايَةُ مُقَيَّدَةٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَإِنَّمَا تُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِيمَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ دُونَ مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ لِأَنَّا لَوْ شَرَطْنَا عَلَيْهِ السَّلَامَةَ عَمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءُ حَقِّهِ لِأَنَّهُ يَمْتَنِعُ عَنْ الْمَشْيِ وَالسَّيْرِ مَخَافَةَ أَنْ يُبْتَلَى بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْهُ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْوَطْءِ وَالْإِصَابَةِ بِالْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ وَالْكَدْمِ وَهُوَ الْعَضُّ بِمُقَدَّمِ الْأَسْنَانِ أَوْ الْخَبْطِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ أَوْ الصَّدْمِ وَهُوَ الضَّرْبُ بِنَفْسِ الدَّابَّةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ فِي وُسْعِ الرَّاكِبِ إذَا أَمْعَنَ النَّظَرَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا مَا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ (لَا مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: يُقَالُ نَفَحَتْ الدَّابَّةُ بِالْفَاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ ضَرَبَتْ بِحَدِّ حَافِرِهَا هَذَا إذَا كَانَتْ سَائِرَةً (إلَّا إذَا أَوْقَفَهَا) أَيْ الرَّاكِبُ الدَّابَّةَ فِي الطَّرِيقِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَضْمَنُ بِالنَّفْحَةِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِالرِّجْلِ أَوْ بِالذَّنَبِ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَرُّزُ عَنْ النَّفْحِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِيقَافِ وَشَغَلَ الطَّرِيقَ بِهِ (وَلَا مَا عَطِبَ بِرَوْثِهَا أَوْ بَوْلِهَا سَائِرَةً أَوْ وَاقِفَةً) يَعْنِي إذَا بَالَتْ أَوْ رَاثَتْ فِي الطَّرِيقِ وَهِيَ تَسِيرُ فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ وَكَذَا إذَا أَوْقَفَهَا لِذَلِكَ فَلَا ضَمَانَ لِأَنَّ مِنْ الدَّوَابِّ مَا لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حَتَّى يَقِفَ فَهُوَ أَيْضًا مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَلِهَذَا لَا يَضْمَنُ بِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَتْ سَائِرَةً أَوْ وَاقِفَةً (لِأَجْلِهِ) أَيْ لِأَجْلِ الرَّوْثِ أَوْ الْبَوْلِ (فَإِنْ أَوْقَفَهَا لَا لِأَجْلِهِ) أَيْ لَا لِأَجْلِ الرَّوْثِ أَوْ الْبَوْلِ (ضَمِنَ مَا عَطِبَ بِهِ) أَيْ بِالرَّوْثِ أَوْ الْبَوْلِ لِأَنَّهُ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فِي الْإِيقَافِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ.
(فَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةً أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ (عَيْنًا) فَذَهَبَ ضَوْءُهَا (أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبًا لَا يَضْمَنُ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَإِنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ لَا يُعْرِي عَنْهُ (وَإِنْ) كَانَ حَجَرًا (كَبِيرًا ضَمِنَ) لِأَنَّهُ مِمَّا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَسَيْرُ الدَّوَابِّ يَنْفَكُّ عَنْهُ وَإِنَّمَا يَكُونُ لِخَرْقٍ مِنْهُ فِي السَّيْرِ (وَيَضْمَنُ الْقَائِدُ مَا يَضْمَنُهُ الرَّاكِبُ وَكَذَا السَّائِقُ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّ الدَّابَّةَ فِي أَيْدِيهِمْ وَهُمْ يُسَيِّرُونَهَا وَيَصْرِفُونَهَا كَيْفَ شَاءُوا وَهُوَ مُخْتَارُ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ (وَقِيلَ): قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ (يَضْمَنُ) أَيْ السَّائِقُ (النَّفْحَةَ أَيْضًا) وَلَا يَضْمَنُهَا الرَّاكِبُ وَالْقَائِدُ قَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ: وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ السَّائِقَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا وَالْقَائِدُ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا دُونَ رِجْلِهَا يَعْنِي النَّفْحَةَ لِأَنَّ السَّائِقَ يَرَى النَّفْحَةَ فَيُمْكِنُهُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا وَالْقَاعِدُ لَا يَرَاهَا وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْفَرْقَ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ فِي تَمَكُّنِ الِاحْتِرَازِ (وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا) أَيْ عَلَى السَّائِقِ وَالْقَائِدِ (وَلَا حِرْمَانَ إرْثٍ أَوْ وَصِيَّةٍ) لِأَنَّهُمَا يَخْتَصَّانِ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَيْسَا مِنْ أَحْكَامِ التَّسْبِيبِ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَوْ أَتَى بِالْوَاوِ دُونَ أَوْ لَكَانَ أَنْسَبَ وَلَعَلَّهُ أَتَى بِأَوْ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ (بِخِلَافِ الرَّاكِبِ) فِيمَا أَوْطَأْتُهُ الدَّابَّةُ بِيَدِهَا أَوْ بِرِجْلِهَا فَإِنَّ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ وَحِرْمَانَ الْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ لِتَحَقُّقِ الْمُبَاشَرَةِ مِنْهُ فَإِنَّ التَّلَفَ بِثِقَلِهِ وَثِقَلِ الدَّابَّةِ تَبَعٌ لَهُ فَإِنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ مُضَافٌ إلَيْهِ وَهِيَ آلَةٌ لَهُ وَهُمَا سَبَبَانِ لِأَنَّهُ لَا يَتَّصِلُ مِنْهُمَا إلَى الْمَحَلِّ شَيْءٌ.
(وَإِنْ اجْتَمَعَ الرَّاكِبُ وَالْقَائِدُ أَوْ الرَّاكِبُ وَالسَّائِقُ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا) أَيْ عِنْدَ الْبَعْضِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلضَّمَانِ (وَقِيلَ: عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ) دُونَ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ لِأَنَّ الرَّاكِبَ مُبَاشِرٌ فِيهِ كَمَا ذَكَرْنَا وَالسَّائِقَ مُتَسَبِّبٌ فَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُبَاشِرِ أَوْلَى.
(وَإِنْ اصْطَدَمَ فَارِسَانِ) خَطَأً أَيْ ضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِنَفْسِهِ (أَوْ) اصْطَدَمَ (مَاشِيَانِ فَمَاتَا ضَمِنَ عَاقِلَةُ كُلٍّ) أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ (دِيَةَ الْآخَرِ) عِنْدَنَا لِأَنَّ هَلَاكَهُ إمَّا مُضَافٌ إلَى فِعْلِ نَفْسِهِ أَوْ فِعْلِ صَاحِبِهِ أَوْ فِعْلِهِمَا مَعًا لَا سَبِيلَ إلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّ فِعْلَهُ مُبَاحٌ لَا يَصْلُحُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ الْهَلَاكُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَصْلُحَ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَلَا إلَى الثَّالِثِ لِأَنَّ مَا يُرْكَبُ مِنْ صَالِحٍ وَغَيْرِ صَالِحٍ لَيْسَ بِصَالِحٍ فَثَبَتَ الثَّانِي فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ فِعْلًا مُبَاحًا وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ إلَّا أَنَّهُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ يَصْلُحُ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِ الْهَلَاكُ فَيَصْلُحُ أَيْضًا فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَعِنْدَ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ دِيَةِ الْآخَرِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ عَطِبَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ صَاحِبِهِ فَكَانَ نِصْفَيْنِ أَحَدُهُمَا مُعْتَبَرٌ وَالْآخَرُ هَدَرٌ قِيلَ: لَوْ كَانَا عَامِدَيْنِ فِي الِاصْطِدَامِ يَضْمَنُ كُلُّ وَاحِدٍ نِصْفَ الدِّيَةِ لِلْآخَرِ اتِّفَاقًا وَقِيلَ: هَذَا لَوْ وَقَعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَفَاهُ لِتَحَقُّقِ فِعْلِ الِاصْطِدَامِ وَلَوْ وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى قَفَاهُ وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ فَدَمُ الَّذِي وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ هَدَرٌ قِيلَ: يَجِبُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ نِصْفُ الدِّيَةِ سَوَاءٌ وَقَعَ عَلَى قَفَاهُ أَوْ ظَهْرِهِ أَوْ وَجْهِهِ.
(وَإِنْ تَجَاذَبَا حَبْلًا فَانْقَطَعَ الْحَبْلُ فَمَاتَا فَإِنْ وَقَعَا) أَيْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا (عَلَى ظَهْرِهِمَا فَهُمَا هَدَرٌ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَاتَ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ.
(وَإِنْ) وَقَعَا (عَلَى وَجْهِهِمَا فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا (دِيَةُ الْآخَرِ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَاتَ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ (وَإِنْ اخْتَلَفَا) أَيْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْقَفَاءِ وَالْآخَرُ عَلَى الْوَجْهِ (فِدْيَةُ مَنْ) وَقَعَ (عَلَى وَجْهِهِ عَلَى عَاقِلَةِ مَنْ وَقَعَ عَلَى ظَهْرِهِ) فَاَلَّذِي عَلَى الْقَفَاءِ لَا دِيَةَ لَهُ.
(وَإِنْ قَطَعَ آخَرُ الْحَبْلَ) أَيْ إنْ تَجَاذَبَا الْحَبْلَ فَقَطَعَهُ إنْسَانٌ آخَرُ فَوَقَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى الْقَفَاءِ (فَمَاتَا فَدِيَتُهُمَا عَلَى عَاقِلَتِهِ) أَيْ عَاقِلَةِ الْقَاطِعِ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَى فِعْلِهِ فَكَانَ سَبَبًا.
(وَإِنْ سَاقَ دَابَّةً فَوَقَعَ سَرْجُهَا أَوْ غَيْرُهُ مِنْ أَدَوَاتِهَا) كَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِ وَمَا يُحْمَلُ عَلَيْهَا (عَلَى إنْسَانٍ فَمَاتَ ضَمِنَ) السَّائِقُ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي هَذَا التَّسَبُّبِ لِأَنَّ الْوُقُوعَ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرْكُ الشَّدِّ وَالْأَحْكَامُ فِيهِ بِخِلَافِ الرِّدَاءِ لِأَنَّهُ لَا يُشَدُّ فِي الْعَادَةِ وَلَا يُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَلِأَنَّهُ قَاصِدٌ لِحِفْظِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَمَا فِي الْمَحْمُولِ عَلَى عَاتِقِهِ دُونَ اللِّبَاسِ فَيُقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ.
(وَكَذَا) يَضْمَنُ (قَائِدُ قِطَارٍ وَطِئَ بَعِيرٌ مِنْهُ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْقِطَارِ (إنْسَانًا وَضَمَانُ النَّفْسِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَ) ضَمَانُ (الْمَالِ فِي مَالِهِ) لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِي الْحِفْظِ وَالتَّسْبِيبُ بِوَصْفِ التَّعَدِّي سَبَبُ الضَّمَانِ.
(وَإِنْ كَانَ مَعَ الْقَائِدِ سَائِقٌ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّ قَائِدَ الْوَاحِدِ قَائِدُ الْكُلِّ وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ وَهَذَا إذَا كَانَ السَّائِقُ فِي جَانِبِ الْإِبِلِ أَمَّا إذَا تَوَسَّطَهَا وَأَخَذَ بِزِمَامِ وَاحِدٍ يَضْمَنُ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ وَيَضْمَنَانِ مَا تَلِفَ بِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْفِصَامِ الزِّمَامِ وَالسَّائِقُ يَسُوقُ مَا يَكُونُ قُدَّامَهُ وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ رَاكِبًا عَلَى بَعِيرٍ وَسَطَ الْقِطَارِ وَلَا يَسُوقُ مِنْهَا شَيْئًا لَمْ يَضْمَنْ مَا أَصَابَتْ الْإِبِلُ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِقٍ لَهَا وَكَذَا مَا أَصَابَتْ الْإِبِلُ الَّتِي خَلْفَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَائِدٍ لَهَا إلَّا إذَا كَانَ أَخَذَ بِزِمَامِ مَا خَلْفَهُ أَمَّا الْبَعِيرُ الَّذِي هُوَ رَاكِبُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا أَصَابَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْقَائِدِ غَيْرُ مَا أَصَابَهُ بِالْإِيطَاءِ فَإِنَّ ذَلِكَ ضَمَانُهُ عَلَى الرَّاكِبِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ جُعِلَ فِيهِ مُبَاشِرًا حَتَّى جَرَى عَلَيْهِ أَحْكَامُ الْمُبَاشِرِينَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(فَإِنْ رُبِطَ بَعِيرٌ عَلَى قِطَارٍ بِغَيْرِ عِلْمِ قَائِدِهِ فَعَطِبَ بِهِ) أَيْ بِالْبَعِيرِ الْمَرْبُوطِ (إنْسَانٌ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ) لِأَنَّهُ قَائِدٌ لِلْكُلِّ فَيَكُونُ قَائِدًا لِذَلِكَ وَالْقَوَدُ سَبَبٌ قَرِيبٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ فَلَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ الْمُحَقَّقُ بِجَهْلِهِ (وَرَجَعُوا) أَيْ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ (بِهَا) أَيْ بِهَذِهِ الدِّيَةِ (عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ فِي مَالِ الرَّابِطِ لِأَنَّ الرَّابِطَ أَوْقَعَهُمْ فِي خُسْرَانِ الْمَالِ وَهَذَا مِمَّا لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ انْتَهَى وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الرَّابِطَ لَمَّا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِيمَا صَنَعَ صَارَ فِي التَّقْدِيرِ هُوَ الْجَانِي وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُسَبِّبٌ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ الضَّمَانُ عَلَى الْقَائِدِ وَالرَّابِطِ ابْتِدَاءً أُجِيبَ بِأَنَّ الْقَوَدَ بِمَنْزِلَةِ الْمُبَاشَرَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الرَّابِطِ لِاتِّصَالِ التَّلَفِ بِهِ دُونَ الرَّبْطِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَحْدَهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى عَاقِلَتِهِ قَالُوا هَذَا إذَا رَبَطَ وَالْقِطَارُ يَسِيرُ لِأَنَّ الرَّابِطَ أُمِرَ بِالْقَوَدِ دَلَالَةً وَإِذَا لَمْ يَعْلَمْ لَا يُمْكِنُهُ التَّحَفُّظُ عَنْهُ وَلَكِنْ جَهْلُهُ لَا يَنْفِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لِتَحَقُّقِ الْإِتْلَافِ مِنْهُ وَإِنَّمَا يَنْفِي الْإِثْمَ فَيَكُونُ قَرَارُ الضَّمَانِ عَلَى الرَّابِطِ وَأَمَّا إذَا رَبَطَ وَالْإِبِلُ وَاقِفَةٌ ضَمِنَهَا عَاقِلَةُ الْقَائِدِ وَلَا يَرْجِعُونَ بِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُ بِمَا لَحِقَهُ عَلَى أَحَدٍ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ فَلْيُطَالَعْ.
(وَمَنْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً أَوْ كَلْبًا وَسَاقَهُ) بِأَنْ يَمْشِيَ خَلْفَهُ فَأَصَابَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا (ضَمِنَ مَا أَصَابَ فِي فَوْرِهِ) أَيْ فَوْرِ الْإِرْسَالِ بِأَنْ لَا يَمِيلَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لِأَنَّ فِعْلَهُ يَنْتَقِلُ إلَى الْمُرْسَلِ بِسَوْقِهِ كَمَا يُضَافُ فِعْلُ الْمُكْرَهِ إلَى الْمُكْرِهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ (وَفِي الطَّيْرِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ سَاقَهُ) وَالْفَرْقُ أَنَّ بَدَنَ الْبَهِيمَةِ وَالْكَلْبِ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَاعْتُبِرَ سَوْقُهُ وَبَدَنُ الطَّيْرِ لَا يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمِهِ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ (وَكَذَا) لَا يَضْمَنُ (فِي الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ إذَا لَمْ يَسُقْ) لِكَوْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الدَّابَّةِ وَالْكَلْبِ مُسْتَقِلًّا فِي فِعْلِهِ.
(أَوْ انْفَلَتَتْ) أَيْ الدَّابَّةُ (بِنَفْسِهَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَأَصَابَتْ مَالًا أَوْ نَفْسًا) لَا يَضْمَنُ صَاحِبُهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ» قَالَ مُحَمَّدٌ هِيَ الْمُنْفَلِتَةُ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهِ لِعَدَمِ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ مِنْ الْإِرْسَالِ وَغَيْرِهِ.
وَفِي الْهِدَايَةِ إذَا أَرْسَلَ دَابَّةً فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالْمُرْسِلُ ضَامِنٌ لِأَنَّ سَيْرَهَا مُضَافٌ إلَيْهِ مَا دَامَتْ تَسِيرُ عَلَى سُنَنِهَا وَلَوْ انْعَطَفَتْ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً انْقَطَعَ حُكْمُ الْإِرْسَالِ إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ آخَرُ سِوَاهُ وَكَذَا إذَا أَوْقَفَ ثُمَّ سَارَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَتْ بَعْدَ الْإِرْسَالِ فِي الِاصْطِيَادِ ثُمَّ سَارَتْ فَأَخَذَتْ الصَّيْدَ يَعْنِي يَحِلُّ صَيْدُهُ لِأَنَّ تِلْكَ الْوَقْفَةَ تُحَقِّقُ مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ لِأَنَّهُ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذِهِ تُنَافِي مَقْصُودَ الْمُرْسِلِ وَهُوَ السَّيْرُ فَيَنْقَطِعُ حُكْمُ الْإِرْسَالِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَ نَفْسًا أَوْ مَالًا فِي فَوْرِهِ حَيْثُ لَا يَضْمَنُ الْمُرْسِلُ وَفِي الْإِرْسَالِ فِي الطَّرِيقِ يَضْمَنُهُ لِأَنَّ شَغْلَ الطَّرِيقِ تَعَدٍّ فَيَضْمَنُ مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ أَمَّا الْإِرْسَالُ لِلِاصْطِيَادِ فَمُبَاحٌ وَلَا تَسْبِيبَ إلَّا بِوَصْفِ التَّعَدِّي وَلَوْ أَرْسَلَ بَهِيمَةً فَأَفْسَدَتْ زَرْعًا عَلَى فَوْرِهِ ضَمِنَ الْمُرْسِلُ وَإِنْ مَالَتْ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا وَلَهُ طَرِيقٌ آخَرُ لَا يَضْمَنُ.
وَفِي الْكَافِي وَمَنْ فَتَحَ بَابَ قَفَصٍ وَطَارَ الطَّيْرُ أَوْ بَابَ الْإِصْطَبْلِ فَخَرَجَتْ الدَّابَّةُ وَضَلَّتْ لَا يَضْمَنُ الْفَاتِحُ لِأَنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى التَّسَبُّبِ فِعْلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضْمَنُ لِأَنَّ طَيَرَانَ الطَّيْرِ هَدَرٌ شَرْعًا وَكَذَا فِعْلُ كُلِّ بَهِيمَةٍ فَكَأَنَّهُ خَرَجَ بِلَا اخْتِيَارٍ فَيَضْمَنُ كَمَا لَوْ شَقَّ زِقًّا فَسَالَ مَا فِيهِ.
(وَمَنْ ضَرَبَ دَابَّةً عَلَيْهَا رَاكِبٌ أَوْ نَخَسَهَا) أَيْ الدَّابَّةَ وَالنَّخْسُ الطَّعْنُ (فَنَفَحَتْ أَوْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا أَحَدًا) مَفْعُولُ نَفَحَتْ وَضَرَبَتْ عَلَى سَبِيلِ التَّنَازُعِ (أَوْ نَفَرَتْ) أَيْ الدَّابَّةُ مِنْ ضَرْبِهِ أَوْ نَخْسِهِ (فَصَدَمَتْهُ) أَيْ ضَرَبَتْ بِنَفْسِهَا أَحَدًا (فَمَاتَ ضَمِنَ هُوَ) أَيْ ضَارِبُ الدَّابَّةِ أَوْ النَّاخِسُ (لَا الرَّاكِبُ إنْ فَعَلَ) أَيْ الضَّارِبُ أَوْ النَّاخِسُ (ذَلِكَ) أَيْ الضَّرْبَ وَالنَّخْسَ (حَالَ السَّيْرِ) أَيْ سَيْرِ الدَّابَّةِ لِأَنَّ الضَّارِبَ أَوْ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي تَسَبُّبِهِ وَالرَّاكِبُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي.
(وَإِنْ أَوْقَفَهَا لَا فِي مِلْكِهِ فَعَلَيْهِمَا) أَيْ إنْ أَوْقَفَ الدَّابَّةَ رَاكِبُهَا فِي غَيْرِ مِلْكِهِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا نِصْفَيْنِ وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِقَوْلِهِ لَا فِي مِلْكِهِ لِأَنَّهُ إذَا أَوْقَفَهَا فِي مِلْكِهِ لَا يَضْمَنُ الرَّاكِبُ أَيْضًا.
(وَإِنْ نَفَحَتْ) الدَّابَّةُ (النَّاخِسَ فَدَمُهُ هَدَرٌ) لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ (وَإِنْ أَلْقَتْ) الدَّابَّةُ (الرَّاكِبَ) فَمَاتَ (فَضَمَانُهُ عَلَى النَّاخِسِ) أَيْ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَسَبُّبِهِ فَفِيهِ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ (وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ) أَيْ الضَّرْبَ أَوْ النَّخْسَ (بِإِذْنِ الرَّاكِبِ فَهُوَ كَفِعْلِ الرَّاكِبِ) وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي نَفْحَتِهَا لِأَنَّ الرَّاكِبَ لَهُ وِلَايَةُ نَخْسِ الدَّابَّةِ وَضَرْبِهَا فَإِذَا أَمَرَ غَيْرَهُ بِمَا يَمْلِكُ مُبَاشَرَتَهُ جَعَلَ فِعْلَ الْمَأْمُورِ كَفِعْلِ الْآمِرِ (لَكِنْ إنْ وَطِئَتْ) الدَّابَّةُ (أَحَدًا فِي فَوْرِهَا) مِنْ غَيْرِ أَنْ تَمِيلَ يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً (بَعْدَ النَّخْسِ بِإِذْنٍ فَدِيَتُهُ عَلَيْهِمَا) لِأَنَّهُ قَدْ نَخَسَهَا النَّاخِسُ بِإِذْنِ الرَّاكِبِ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا إذَا كَانَتْ فِي فَوْرِهَا الَّذِي نَخَسَهَا لِأَنَّ سَيْرَهَا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ مُضَافٌ إلَيْهَا وَالْإِذْنُ يَتَنَاوَلُ فِعْلَ السَّوْقِ وَلَا يَتَنَاوَلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ إتْلَافٌ فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ يُقْتَصَرُ عَلَيْهِ فَالرُّكُوبُ وَإِنْ كَانَ عِلَّةً لِلْوَطْءِ فَالنَّخْسُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ بَلْ هُوَ شَرْطٌ أَوْ عِلَّةٌ لِلسَّيْرِ وَالسَّيْرُ عِلَّةٌ لِلْوَطْءِ وَبِهَذَا لَا يَتَرَجَّحُ صَاحِبُ الْعِلَّةِ كَمَنْ جَرَحَ إنْسَانًا فَوَقَعَ فِي بِئْرٍ حَفَرَهَا غَيْرُهُ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَمَاتَ فَالدِّيَةُ عَلَيْهِمَا كَمَا أَنَّ الْحَفْرَ شَرْطُ وُجُودِ عِلَّةٍ أُخْرَى وَهُوَ الْوُقُوعُ دُونَ عِلَّةِ الْجُرْحِ فَكَذَا هَذَا (وَلَا يَرْجِعُ النَّاخِسُ عَلَى الرَّاكِبِ فِي الْأَصَحِّ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالْإِيطَاءِ وَالنَّخْسُ يَنْفَصِلُ عَنْهُ وَالتَّلَفُ إنَّمَا حَصَلَ بِالْوَطْءِ.
(كَمَا لَوْ أَمَرَ صَبِيًّا يَسْتَمْسِكُ عَلَى دَابَّةٍ بِتَسْيِيرِهَا فَوَطِئَتْ إنْسَانًا فَمَاتَ) ضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ دِيَتَهُ، وَ (لَا يَرْجِعُ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ بِمَا غَرِمُوا مِنْ الدِّيَةِ عَلَى الْآمِرِ) لِأَنَّهُ أَمَرَهُ لِأَنَّهُ بِالتَّسْيِيرِ وَالْإِيطَاءُ يَنْفَصِلُ عَنْهُ وَإِنَّمَا قَالَ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازًا عَمَّا قِيلَ يَرْجِعُ النَّاخِسُ عَلَى الرَّاكِبِ بِمَا ضَمِنَ فِي الْإِيطَاءِ لِأَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَمْرِهِ فَرَجَعَ بِمَا لَحِقَهُ مِنْ الْعُهْدَةِ عَلَيْهِ.
(وَكَذَا لَوْ نَاوَلَ الصَّبِيَّ سِلَاحًا فَقَتَلَ بِهِ أَحَدًا) فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَا يُرْجَعُ عَلَى الْمُنَاوِلِ.
(وَكَذَا الْحُكْمُ فِي نَخْسِهَا وَمَعَهَا قَائِدٌ أَوْ سَائِقٌ) يَعْنِي مَنْ قَادَ دَابَّةً أَوْ سَاقَهَا فَنَخَسَهَا رَجُلٌ آخَرُ فَانْفَلَتَتْ وَأَصَابَتْ فِي فَوْرِهَا فَالضَّمَانُ عَلَى النَّاخِسِ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهَا سَائِقٌ فَنَخَسَهَا غَيْرُهُ لِأَنَّهُ مُضَافٌ إلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَإِنْ نَخَسَهَا شَيْءٌ مَنْصُوبٌ فِي الطَّرِيقِ فَالضَّمَانُ عَلَى مَنْ نَصَبَهُ) لِأَنَّ النَّاصِبَ مُتَعَدٍّ بِشَغْلِ الطَّرِيقِ فَأُضِيفَ إلَيْهِ كَأَنَّهُ نَخَسَهَا بِفِعْلِ نَفْسِهِ (وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ النَّاخِسِ صَبِيًّا أَوْ بَالِغًا) لِأَنَّ الصَّبِيَّ كَالْبَالِغِ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ فَيَكُونُ الضَّمَانُ فِي مَالِهِ.
وَفِي الْكَافِي نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ إنْ كَانَ النَّاخِسُ صَبِيًّا فَهُوَ كَالرَّجُلِ فِي أَنَّ ضَمَانَ الدِّيَةِ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّهُ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ وَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَإِذَا كَانَ صَبِيًّا فَفِي مَالِهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ إذَا كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى الْمَالِ أَوْ فِيمَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ.
(وَإِنْ كَانَ) أَيْ النَّاخِسُ (عَبْدًا فَالضَّمَانُ فِي رَقَبَتِهِ) فَيَدْفَعُهُ الْمَوْلَى بِالضَّمَانِ أَوْ يَفْدِيهِ (وَجَمِيعُ مَسَائِلِ هَذَا الْفَصْلِ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ إنْ كَانَ الْهَالِكُ آدَمِيًّا فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَإِنْ) كَانَ الْهَالِكُ (غَيْرَهُ) أَيْ غَيْرَ الْآدَمِيِّ فَالضَّمَانُ فِي مَالِ الْجَانِي لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا يَتَحَمَّلُونَ ضَمَانَ الْمَالِ وَمَنْ فَقَأَ عَيْنَ شَاةِ قَصَّابٍ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا اللَّحْمُ فَقَطْ دُونَ الْعَمَلِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا إلَّا النُّقْصَانُ بِلَا تَقْدِيرٍ وَقُيِّدَ بِالْعَيْنِ لِأَنَّ فِي الْعَيْنَيْنِ صَاحِبُهَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ تَرَكَهَا عَلَى الْفَاقِئِ وَضَمَّنَهُ الْقِيمَةَ كَامِلَةً وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهَا وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ.
(وَفِي عَيْنِ الْفَرَسِ أَوْ الْبَغْلِ أَوْ الْحِمَارِ أَوْ بَعِيرِ الْجَزَّارِ أَوْ بَقَرَتِهِ رُبْعُ الْقِيمَةِ) لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ» وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ إنَّمَا يَكُونُ بِأَرْبَعِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَيْ الْمُسْتَعْمِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ إحْدَاهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ النُّقْصَانُ كَمَا فِي الشَّاةِ قِيلَ: وَالْقَصَّابُ لَيْسَ بِقَيْدٍ فَالْحُكْمُ فِي كُلِّ بَقَرَةٍ وَبَعِيرٍ رُبْعُ الْقِيمَةِ فِي الْعَيْنِ الْوَاحِدَةِ وَفِي كُلِّ شَاةٍ النُّقْصَانُ وَإِنَّمَا وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي بَقَرَةِ الْجَزَّارِ وَجَزُورِهِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُمَا مُعَدَّانِ لِلَّحْمِ فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الشَّاةِ وَتَرَكَ فِي الْإِصْلَاحِ إضَافَةَ الشَّاةِ إلَى الْقَصَّابِ مُعَلِّلًا بِقَوْلِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ مَظِنَّةِ الِاخْتِصَاصِ خُصُوصًا عِنْدَ مُلَاحَظَةِ التَّعْلِيلِ وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ وَضْعَ الْمَسْأَلَةِ فِي شَاةِ الْقَصَّابِ أَيْضًا لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّهَا مُعَدَّةٌ لِلَّحْمِ فَلَا يُعْتَبَرُ النُّقْصَانُ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِاللَّحْمِ بَلْ يُوجَدُ نُقْصَانٌ فِي مَالِيَّتِهَا لِكَوْنِهَا فِي حُكْمِ اللَّحْمِ بِاعْتِبَارِ الْمَآلِ.

.بَاب فِي جِنَايَة الرَّقِيق وَالْجِنَايَة عَلَيْهِ:

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَالِكِ وَهُوَ الْحُرُّ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ شَرَعَ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَهُوَ الْعَبْدُ وَأَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ رُتْبَةِ الْعَبْدِ عَنْ رُتْبَةِ الْحُرِّ كَمَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: إنَّهُ مَا وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ جِنَايَةِ الْحُرِّ مُطْلَقًا بَلْ بَقِيَ مِنْهُ جِنَايَةُ الْحُرِّ عَلَى الْعَبْدِ وَهُوَ إنَّمَا يَتَبَيَّنُ فِي هَذَا الْبَابِ فَالْأَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ جِنَايَةِ الْحُرِّ عَلَى الْحُرِّ شَرَعَ فِي بَيَانِ جِنَايَةِ الْمَمْلُوكِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ وَلَمَّا كَانَ فِيهِ تَعَلُّقٌ بِالْمَمْلُوكِ أَلْبَتَّةَ مِنْ جَانِبٍ أَخَّرَهُ لِانْحِطَاطِ الْمَمْلُوكِ رُتْبَةً مِنْ الْمَالِكِ اعْلَمْ أَنَّهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مُوجِبِ جِنَايَةِ الْعَبْدِ قِيلَ: مُوجِبُهَا الْأَرْشُ لِأَنَّ النُّصُوصَ مُطْلَقَةٌ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالدَّفْعِ تَخْفِيفًا عَلَيْهِ وَقِيلَ: مُوجِبُهَا الدَّفْعُ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَتَخَلَّصَ بِالْفِدَاءِ وَلِهَذَا يَبْرَأُ الْمَوْلَى بِهَلَاكِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ غَيْرَهُ لَمَا بَرِئَ بِهَلَاكِهِ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِهِ الدَّفْعُ لَا الْفِدَاءُ (جِنَايَاتُ الْمَمْلُوكِ لَا تُوجِبُ إلَّا دَفْعًا وَاحِدًا لَوْ) كَانَ (مَحِلًّا لِلدَّفْعِ) بِأَنْ كَانَ قِنًّا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَنْعَقِدْ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ كَالتَّدْبِيرِ وَأُمُومَةِ الْوَلَدِ وَالْكِتَابَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحِلًّا لِلدَّفْعِ بِأَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا سَلَفَ فَتُوجِبُ (قِيمَةَ وَاحِدَةٍ لَوْ) كَانَ (غَيْرَ مَحِلٍّ لَهُ) أَيْ لِلدَّفْعِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَإِلَّا يُفِيدُ مَا صَرَّحَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ غَيْرَ مَحِلٍّ لَهُ فَهُوَ مُسْتَدْرَكٌ بِلَا فَائِدَةٍ وَفُرِّعَ بِقَوْلِهِ.
(فَلَوْ جَنَى عَبْدٌ خَطَأً) هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَالتَّقْيِيدُ بِالْخَطَأِ هُنَا إنَّمَا يُفِيدُ فِي الْجِنَايَةِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ عَمْدًا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَأَمَّا فِيمَا دُونَ النَّفْسِ فَلَا يُفِيدُ لِأَنَّ خَطَأَ الْعَبْدِ وَعَمْدَهُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ سَوَاءٌ فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْمَالَ فِي الْحَالَيْنِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْعَبْدِ وَلَا بَيْنَ الْعَبِيدِ وَالْأَحْرَارِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ كَبِيرًا وَأَمَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا فَعَمْدُهُ كَالْخَطَأِ (فَإِنْ شَاءَ مَوْلَاهُ دَفَعَهُ) أَيْ الْعَبْدَ (بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (وَيَمْلِكُهُ وَلِيُّهَا) أَيْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ.
(وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا مَالَ لَهُ وَلَا عَاقِلَةَ وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُ الدَّمِ فَجُعِلَتْ رَقَبَتُهُ مَقَامَ الْأَرْشِ إلَّا أَنَّهُ خُيِّرَ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لِئَلَّا يَفُوتَ حَقُّهُ فِي الْعَبْدِ بِالْكُلِّيَّةِ (حَالًا) قُيِّدَ لِلدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ جَمِيعًا أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّهُ عَيْنٌ وَلَا تَأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَ الْإِمَامِ أَنَّ الْخَطَأَ هُوَ الْأَرْشُ وَعِنْدَهُمَا الْأَصْلُ هُوَ أَنْ يَصْرِفَ الْمَالَ إلَى الْجِنَايَةِ كَمَا فِي الْعَمْدِ فَإِذَا اخْتَارَ الْمَوْلَى الْفِدَاءَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ مَا يُؤَدِّي فَالْعَبْدُ عَبْدُهُ عِنْدَ الْإِمَامِ وَيُؤَدِّي الْأَرْشَ مَتَى وَجَدَ وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يُؤَدِّ الدِّيَةَ فِي الْحَالِ فَعَلَيْهِ الدَّفْعُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْأَوْلِيَاءُ وَفِي الِاقْتِصَارِ عَلَى دَفْعِ الْعَبْدِ إيمَاءٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ كَسَبَ الْعَبْدُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ كَسْبًا وَاخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَهُ لَا يَدْفَعُ الْكَسْبَ اتِّفَاقًا وَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةُ الْجِنَايَةِ لَا يُدْفَعُ الْوَلَدُ عِنْدَ صَاحِبِ الْمُحِيطِ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ يَدْفَعُ الْوَلَدُ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ (وَإِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ شَيْئًا ) مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ (بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ) لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ.
(وَإِنْ) مَاتَ (بَعْدَمَا اخْتَارَ) الْمَوْلَى (الْفِدَاءَ لَا يَبْطُلُ حَقُّهُ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَبْرَأْ الْمَوْلَى لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ حِينَئِذٍ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَبِمَوْتِ الْعَبْدِ لَا تَفْسُدُ ذِمَّتُهُ (فَإِنْ فَدَاهُ) الْمَوْلَى (فَجَنَى) أَيْ الْعَبْدُ ثَانِيًا (فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ) لِأَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ وَخَلَصَ عَنْ الْجِنَايَةِ الْأُولَى فَيَجِبُ بِالثَّانِيَةِ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ (وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دَفَعَهُ) أَيْ الْمَوْلَى الْعَبْدَ (بِهِمَا) أَيْ بِالْجِنَايَتَيْنِ (فَيَقْتَسِمَانِهِ بِنِسْبَةِ حُقُوقِهِمَا) أَيْ لِلْعَبْدِ الْمَدْفُوعِ عَلَى قَدْرِ حَقَّيْهِمَا (أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهِمَا) أَيْ بِأَرْشِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالدُّيُونِ الْمُتَلَاحِقَةِ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ إلَيْهِمْ اقْتَسَمُوهُ عَلَى قَدْرِ حُقُوقِهِمْ وَحَقُّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْشُ جِنَايَتِهِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى غَيْرِهِ لِاخْتِلَافِ الْحُقُوقِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ أَوْ أَوْلِيَاءُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْتَدِيَ مِنْ الْبَعْضِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى الْبَعْضِ لِاتِّحَادِ الْحَقِّ.
(فَإِنْ بَاعَهُ) أَيْ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْجَانِيَ (أَوْ وَهَبَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا) أَيْ الْجَارِيَةَ الْجَانِيَةَ حَالَ كَوْنِهِ (غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (ضَمِنَ) أَيْ الْمَوْلَى (الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ، وَ) الْأَقَلَّ (مِنْ الْأَرْشِ) لِأَنَّهُ فَوَّتَ حَقَّهُ بِمَا صَنَعَ فَيَضْمَنُهُ وَحَقُّهُ فِي أَقَلِّهِمَا بِخِلَافِ الْإِقْرَارِ عَلَى رِوَايَةِ الْأَصْلِ لِأَنَّ الْمُقَرَّ لَهُ يُخَاطَبُ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَقْلُ الْمِلْكِ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ وَأَلْحَقَهُ الْكَرْخِيُّ بِالْبَيْعِ لِزَوَالِ مِلْكِهِ ظَاهِرًا وَلَوْ بَاعَهَا مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ فَهُوَ مُخْتَارٌ بِخِلَافِ مَا إذَا وَهَبَهُ مِنْهُ لِأَنَّ الْمُسْتَحِقَّ أَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ لَكِنْ فِي الْهِبَةِ دُونَ الْبَيْعِ وَإِعْتَاقُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِأَمْرِ الْمَوْلَى بِمَنْزِلَةِ إعْتَاقِ الْمَوْلَى لِأَنَّ فِعْلَ الْمَأْمُورِ مُضَافٌ إلَى الْآمِرِ وَلَوْ ضَرَبَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ فَنَقَصَهُ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِأَنَّهُ حَبْسُ جُزْءٍ مِنْهُ وَكَذَا لَوْ وَطِئَ الْبِكْرَ دُونَ الثَّيِّبِ إلَّا إذَا عَلَّقَهَا بِخِلَافِ التَّزْوِيجِ لِأَنَّهُ عَيْبٌ حُكْمِيٌّ وَبِخِلَافِ الِاسْتِخْدَامِ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمِلْكِ وَكَذَا بِالْإِذْنِ فِي التِّجَارَةِ وَإِنْ رَكِبَهُ دُيُونٌ لِأَنَّ الْإِذْنَ وَالدَّيْنَ لَا يَمْنَعُ الدَّفْعَ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي قَوْلٍ وَأَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ وَمَالِكٍ ضَمِنَ الْأَرْشَ فَقَطْ.
(وَإِنْ عَالِمًا بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (ضَمِنَ الْأَرْشَ) فَقَطْ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ صَارَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ.
(كَمَا لَوْ عَلَّقَ) أَيْ الْمَوْلَى (عِتْقَهُ بِقَتْلِ زَيْدٍ أَوْ رَمْيِهِ أَوْ شَجِّهِ) بِأَنْ قَالَ لَهُ: إنْ قَتَلْت فُلَانًا أَوْ رَمَيْت زَيْدًا أَوْ شَجَجْت رَأْسَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ (فَفَعَلَ) أَيْ قَتَلَ أَوْ رَمَى أَوْ شَجَّ كَانَ الْمَوْلَى مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ لِأَنَّ وَقْتَ تَكَلُّمِهِ لَا جِنَايَةَ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِوُجُودِهِ وَبَعْدَ الْجِنَايَةِ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِعْلٌ يَصِيرُ بِهِ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ وَعَلَيْهِ الْقِيمَةُ وَلَنَا أَنَّ تَعْلِيقَهُ مَعَ عِلْمِهِ بِأَنَّهُ يُعْتَقُ عِنْدَ الْقَتْلِ دَلِيلُ اخْتِيَارِهِ فَتَلْزَمُهُ الدِّيَةُ.
(وَإِنْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ) حَالَ كَوْنِهِ (عَمْدًا) أَيْ عَامِدًا (فَدَفَعَ) الْعَبْدُ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْحُرِّ الَّذِي قُطِعَتْ يَدُهُ (فَأَعْتَقَهُ) أَيْ الْمَدْفُوعُ إلَيْهِ (فَسَرَى) أَيْ الْقَطْعُ إلَى النَّفْسِ فَمَاتَ (فَالْعَبْدُ صَلَحَ بِالْجِنَايَةِ) لِأَنَّهُ قَصَدَ صِحَّةَ الْإِعْتَاقِ وَلَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِالصُّلْحِ عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ابْتِدَاءً وَلِهَذَا لَوْ نَصَّ عَلَيْهِ وَرَضِيَ بِهِ جَازَ وَكَانَ مُصَالِحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا (وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَعْتَقَهُ) أَيْ الْعَبْدَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ وَمَاتَ مِنْ السِّرَايَةِ (يُرَدُّ) الْعَبْدُ (عَلَى سَيِّدِهِ فَيُقَادُ أَوْ يُعْفَى) لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الصُّلْحَ كَانَ بَاطِلًا لِأَنَّهُ وَقَعَ عَلَى الْمَالِ وَهُوَ الْعَبْدُ عَنْ دِيَةِ الْيَدِ إذْ الْقِصَاصُ لَا يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ فِي الْأَطْرَافِ وَبِالسِّرَايَةِ ظَهَرَ أَنَّ دِيَةَ الْيَدِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَأَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْقَوَدُ فَصَارَ الصُّلْحُ بَاطِلًا لِأَنَّ الصُّلْحَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مُصَالَحٍ عَنْهُ وَالْمُصَالَحُ عَنْهُ الْمَالُ فَلَمْ يُوجَدْ فَبَطَلَ الصُّلْحُ فَوَجَبَ الْقِصَاصُ فَالْأَوْلِيَاءُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا عَفَوْا عَنْهُ وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوهُ (وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ حُرًّا فَصَالَحَ الْمَقْطُوعُ) يَدُهُ (عَلَى عَبْدٍ وَدَفَعَهُ) أَيْ الْقَاطِعُ الْعَبْدَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمَقْطُوعِ (فَإِنْ أَعْتَقَهُ) الْمَقْطُوعُ (ثُمَّ سَرَى) الْقَطْعُ إلَى الْقَتْلِ فَمَاتَ (فَهُوَ) أَيْ الْعَبْدُ (صَلَحَ بِهَا) بِالْجِنَايَةِ.
(وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ فَسَرَى رُدَّ) الْعَبْدُ إلَى الْقَاطِعِ (وَأُقِيدَ) أَوْ عَفَا وَالْوَجْهُ مَا بُيِّنَ فَاتَّحَدَ الْحُكْمُ وَالْعِلَّةُ.
وَفِي الْهِدَايَةِ وَفِي هَذَا الْوَضْعِ يَرُدُّ إشْكَالًا فِيمَا إذَا عَفَا عَنْ الْيَدِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ حَيْثُ لَا يَجِبُ هُنَاكَ وَهُنَا قَالَ: يَجِبُ: قِيلَ مَا ذُكِرَ هُنَا جَوَابُ الْقِيَاسِ فَيَكُونُ الْوَضْعَانِ جَمِيعًا عَلَى الْقِيَاسِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَقِيلَ: بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ صَحَّ ظَاهِرًا لِأَنَّ الْحَقَّ كَانَ لَهُ فِي الْيَدِ مِنْ حَيْثُ الظَّاهِرُ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ ظَاهِرًا فَبَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ بَطَلَ حُكْمًا يَبْقَى مَوْجُودًا حَقِيقَةً فَكَفَى لِمَنْعِ وُجُوبِ الْقِصَاصِ أَمَّا هَهُنَا الصُّلْحُ لَا يُبْطِلُ الْجِنَايَةَ بَلْ يُقَرِّرُهَا حَيْثُ صَالَحَ عَنْهَا عَلَى مَالٍ فَأَمَّا إذَا لَمْ تَبْطُلْ الْجِنَايَةُ لَمْ تَمْتَنِعْ الْعُقُوبَةُ هَذَا إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ أَمَّا إذَا أَعْتَقَهُ فَالتَّخْرِيجُ مَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ.
(وَإِنْ جَنَى) عَبْدٌ (مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ) جِنَايَةً (خَطَأً فَأَعْتَقَهُ) أَيْ سَيِّدُهُ (غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا) أَيْ بِالْجِنَايَةِ (ضَمِنَ) أَيْ السَّيِّدُ (لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ دَيْنِهِ، وَ) ضَمِنَ (لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ) أَيْ الْعَبْدِ (وَمِنْ أَرْشِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَقَّيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَضْمُونٌ بِكُلِّ الْقِيمَةِ عَلَى الِانْفِرَادِ الدَّفْعُ لِلْأَوْلِيَاءِ وَالْبَيْعُ لِلْغُرَمَاءِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقَّيْنِ إيفَاءً مِنْ الرَّقَبَةِ الْوَاحِدُ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِهِ مَمْلُوكًا بِأَنْ يَدْفَعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ فَيَضْمَنُهُمَا السَّيِّدُ الْمُعْتِقُ بِالْإِتْلَافِ وَإِنْ أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِرَبِّ الدَّيْنِ وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ لِأَوْلِيَاءِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ.
(وَلَوْ وَلَدَتْ مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ يُبَاعُ) الْوَلَدُ (مَعَهَا) أَيْ مَعَ أُمِّهِ (فِي دَيْنِهَا) أَيْ الْأُمِّ الْمَأْذُونَةِ (وَلَوْ جَنَتْ) فَوَلَدَتْ (لَا يُدْفَعُ) الْوَلَدُ (فِي جِنَايَتِهَا) أَيْ الْجِنَايَةِ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ فِيهَا وَاجِبٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَوَلَدِ الْمَرْهُونَةِ بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ وُجُوبَ الدَّفْعِ فِي ذِمَّةِ الْوَلِيِّ لَا فِي ذِمَّتِهَا فَلَا يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ شَرْطَ السِّرَايَةِ إلَى الْوَلَدِ أَنْ تَكُونَ الْوِلَادَةُ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ أَمَّا إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ لَحِقَهَا الدَّيْنُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ الْأَكْسَابِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ الْغُرَمَاءُ بِهَا سَوَاءٌ كَسَبَتْ قَبْلَ الدَّيْنِ أَوْ بَعْدَهُ.
(وَلَوْ أَقَرَّ رَجُلٌ أَنَّ زَيْدًا حَرَّرَ عَبْدَهُ فَقَتَلَ ذَلِكَ الْعَبْدُ) فَاعِلُ قَتَلَ (وَلِيَّ الْمُقِرِّ خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ) أَيْ لِلْمُقِرِّ يَعْنِي أَنَّهُ إذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ زَعَمَ رَجُلٌ آخَرُ أَنَّ مُوَلَّى ذَلِكَ الْعَبْدِ أَعْتَقَهُ ثُمَّ إنَّ هَذَا الْعَبْدَ قَتَلَ وَلِيًّا لِهَذَا الزَّاعِمِ خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ لِأَنَّهُ مَتَى زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ ادَّعَى دِيَتَهُ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِبْرَاءَ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى فَلَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِلَا حُجَّةٍ.
(وَإِنْ قَالَ مُعْتَقٌ) عَلَى صِيغَةِ الْمَفْعُولِ: (قَتَلْت أَخَا زَيْدٍ) قَتْلًا خَطَأً (قَبْلَ عِتْقِي وَقَالَ زَيْدٌ: بَلْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لِلْمُعْتَقِ) لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ لِلضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَهَذَا لِأَنَّ الْوُجُوبَ فِي جِنَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعًا أَوْ فِدَاءً فَلَا يُتَصَوَّرُ وُجُوبُ الضَّمَانِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ عَلَى الْعَبْدِ فِي حَالِ رَقِّهِ بِحَالٍ.
(وَإِنْ قَالَ الْمَوْلَى لِأَمَةٍ: أَعْتَقَهَا) أَيْ أَمَةَ نَفْسِهِ (قَطَعْت) عَلَى صِيغَةِ الْمُتَكَلِّمِ (يَدَك قَبْلَ الْعِتْقِ وَقَالَتْ) الْأَمَةُ: لَا (بَلْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهَا) أَيْ لِلْأَمَةِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ.
(وَكَذَا) الْقَوْلُ (فِي كُلِّ مَا نَالَ مِنْهَا) أَيْ أَخَذَ الْمَوْلَى مِنْ الْأَمَةِ (إلَّا الْجِمَاعَ وَالْغَلَّةَ) بِأَنْ قَالَ: وَطِئْتُك وَأَنْتِ أَمَتِي وَقَالَتْ: لَا بَلْ بَعْدَ الْعِتْقِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَكَذَا إذَا أَخَذَ مِنْ غَلَّتِهَا أَيْ أَكْسَابِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَتْ مَدْيُونَةً وَهَذَا عِنْدَهُمَا (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَضْمَنُ) الْمَوْلَى (إلَّا شَيْئًا) قَائِمًا (بِعَيْنِهِ يُؤْمَرُ) الْمَوْلَى (بِرَدِّهِ إلَيْهَا) أَيْ عَلَى الْأَمَةِ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ وُجُوبَ الضَّمَانِ لِإِسْنَادِهِ الْفِعْلَ إلَى حَالَةٍ مَعْهُودَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَكَمَا فِي الْوَطْءِ وَالْغَلَّةِ وَفِي الشَّيْءِ الْقَائِمِ أَقَرَّ بِيَدِهَا حَيْثُ اعْتَرَفَ بِالْأَخْذِ مِنْهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمَلُّكَ عَلَيْهَا وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُنْكِرِ فَلِهَذَا يُؤْمَرُ بِالرَّدِّ إلَيْهَا وَلَهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُبَرِّئُهُ فَلَا يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَهُ كَمَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ: فَقَأْت عَيْنَك الْيُمْنَى وَعَيْنِي الْيُمْنَى صَحِيحَةٌ ثُمَّ فُقِئَتْ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ: لَا بَلْ فَقَأْتَهَا وَعَيْنُك الْيُمْنَى ذَاهِبَةٌ وَلِي عَلَيْك الْأَرْشُ فَالْقَوْلُ لِلْمَفْقُوءِ عَيْنُهُ وَعَلَى الْفَاقِئِ الْأَرْشُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ حَصَلَ مَضْمُونًا بِتَصَادُقِهِمَا إلَّا أَنَّ الْفَاقِئَ يَدَّعِي الْبَرَاءَةَ وَخَصْمَهُ مُنْكِرٌ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ.
(وَلَوْ أَمَرَ عَبْدٌ مَحْجُورٌ أَوْ صَبِيٌّ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ) لِأَنَّهُ هُوَ الْقَاتِلُ حَقِيقَةً وَعَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْآمِرِ سَوَاءٌ كَانَ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ صَبِيًّا لِأَنَّهُمَا لَا يُؤَاخَذَانِ بِأَقْوَالِهِمَا لِعَدَمِ اعْتِبَارِهَا شَرْعًا (وَرَجَعُوا) أَيْ الْعَاقِلَةُ (عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ) لِأَنَّ عَدَمَ اعْتِبَارِ قَوْلِ الْعَبْدِ إنَّمَا هُوَ لِحَقِّ الْمَوْلَى وَقَدْ زَالَ حَقُّ الْمَوْلَى بِالْإِعْتَاقِ (لَا عَلَى الصَّبِيِّ الْأَمْرِ) أَيْ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الصَّبِيِّ الْآمِرِ لِنُقْصَانِ الْأَهْلِيَّةِ.
وَفِي التَّبْيِينِ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَكَانِ الْحَجْرِ وَهَذَا أَوْفَقُ لِلْقَوَاعِدِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَقَرَّ بَعْدَ الْعِتْقِ بِالْقَتْلِ قَبْلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِكَوْنِهِ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ وَلِهَذَا لَوْ حَفَرَ الْعَبْدُ بِئْرًا فَأَعْتَقَهُ مَوْلَاهُ ثُمَّ وَقَعَ فِيهِ إنْسَانٌ فَهَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى قِيمَتُهُ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ لَا تُوجِبُ عَلَيْهِ شَيْئًا وَإِنَّمَا تُوجِبُ عَلَى الْمَوْلَى فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ وَلَوْ مَاتَ فِيهَا أَلْفٌ فَيَقْتَسِمُونَهَا بِالْحِصَصِ.
(وَلَوْ كَانَ مَأْمُورُ الْعَبْدِ مِثْلَهُ) بِأَنْ أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا مِثْلَهُ بِقَتْلِ رَجُلٍ (دَفَعَ السَّيِّدُ) الْعَبْدَ (الْقَاتِلَ أَوْ فِدَاءً إنْ كَانَ) الْقَتْلُ (خَطَأً) أَوْ كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا (أَوْ) الْعَبْدُ (الْمَأْمُورُ صَغِيرًا) لِأَنَّ عَمْدَ الصَّغِيرِ كَالْخَطَأِ (وَلَا يَرْجِعُ) السَّيِّدُ (عَلَى الْآمِرِ فِي الْحَالِ) لِأَنَّ الْأَمْرَ قَوْلٌ وَقَوْلُ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بَلْ (وَيَجِبُ أَنْ يَرْجِعَ) السَّيِّدُ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعَبْدِ (بَعْدَ عِتْقِهِ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى (بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْفِدَاءِ) لِأَنَّ الْقِيمَةَ إنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ الْفِدَاءِ فَالْمَوْلَى غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى إعْطَاءِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ بَلْ يَدْفَعُ الْعَبْدُ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ: أَقُولُ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْجِعَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ وَالْأَمْرُ لَمْ يُوقِعْهُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ لِكَمَالِ عَقْلِ الْمَأْمُورِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُورُ صَبِيًّا انْتَهَى.
(وَإِنْ كَانَ) الْقَتْلُ (عَمْدًا وَالْمَأْمُورُ) عَبْدًا (كَبِيرًا اقْتَصَّ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ.
وَفِي النِّهَايَةِ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ مِنْ الْحُكْمِ لَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْآمِرُ وَالْمَأْمُورُ مَحْجُورًا عَلَيْهِمَا لَا مَحَالَةَ بَلْ يَكْتَفِي بِأَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ إذَا أَمَرَ الْعَبْدُ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ وَبَاقِي الْمَسْأَلَةِ بِحَالِهَا فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ وَأَمَّا لَوْ كَانَ الْآمِرُ عَبْدًا مَأْذُونًا وَالْمَأْمُورُ عَبْدًا مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا يَرْجِعُ مَوْلَى الْعَبْدِ الْقَاتِلِ بَعْدَ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ عَلَى رَقَبَةِ الْعَبْدِ الْآمِرِ فِي الْحَالِ بِقِيمَةِ عَبْدِهِ لِأَنَّ الْآمِرَ بِأَمْرِهِ صَارَ غَاصِبًا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ كَإِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ لَوْ أَقَرَّ بِالْغَصْبِ يُؤَاخَذُ بِهِ فِي حَالِ رِقِّهِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ.
(وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ حُرَّيْنِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيِّ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفَعَ) السَّيِّدُ (نِصْفَهُ) أَيْ نِصْفَ الْعَبْدِ (إلَى الْآخَرَيْنِ أَوْ فَدَى بِدِيَةٍ لَهُمَا) يَعْنِي لِلْمَوْلَى الْخِيَارُ إنْ شَاءَ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ إلَى اللَّذَيْنِ لَمْ يَعْفُوَا مِنْ وَلِيِّ الْقَتِيلَيْنِ وَإِنْ شَاءَ فَدَاهُ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ لِأَنَّهُ لَمَّا عَفَا أَحَدُ وَلِيِّ كُلٍّ مِنْهُمَا سَقَطَ الْقِصَاصُ فِي الْكُلِّ وَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتِينَ مَالًا وَهُوَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْقَبِيلَتَيْنِ يَجِبُ لَهُ قِصَاصٌ كَامِلٌ عَلَى حِدَةٍ فَإِذَا سَقَطَ الْقِصَاصُ وَجَبَ أَنْ يَنْقَلِبَ كُلُّهُ مَالًا وَذَلِكَ دِيَتَانِ فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى عِشْرُونَ أَلْفًا أَوْ يَدْفَعُ الْعَبْدُ غَيْرَ أَنَّ نَصِيبَ الْعَافِينَ سَقَطَ مَجَّانًا وَانْقَلَبَ نَصِيبُ السَّاكِتِينَ مَالًا وَذَلِكَ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُ الدِّيَةِ أَوْ دَفَعَ نِصْفَ الْعَبْدِ لَهُمَا فَيُخَيَّرُ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا.
(وَإِنْ قَتَلَ) الْعَبْدُ (أَحَدَهُمَا) أَيْ أَحَدَ الْحُرَّيْنِ (عَمْدًا وَ) قَتَلَ (الْآخَرَ خَطَأً فَعَفَا أَحَدُ وَلِيِّ الْعَمْدِ فَدَى) السَّيِّدُ (بِدِيَةٍ) كَامِلَةٍ (لِوَلِيِّ الْخَطَأِ، وَ) فَدَى (بِنِصْفِهَا لِأَحَدِ وَلِيِّ الْعَمْدِ) الَّذِي لَمْ يَعْفُ لِأَنَّ نِصْفَ الْحَقِّ بَطَلَ بِالْعَفْوِ فَبَقِيَ النِّصْفُ وَصَارَ مَالًا وَيَكُونُ خَمْسَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ وَلَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الْخَطَأِ وَكَانَ حَقُّهُمَا فِي كُلِّ الدِّيَةِ عَشْرَةُ آلَافٍ (أَوْ دَفَعَ) أَيْ دَفَعَ السَّيِّدُ الْعَبْدَ (إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الْأَوْلِيَاءِ (يَقْتَسِمُونَهُ أَثْلَاثًا) ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَثُلُثُهُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ (عَوْلًا) عِنْدَ الْإِمَامِ فَيُضْرَبُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ بِالْكُلِّ وَهُوَ عَشْرَةُ آلَافٍ وَغَيْرُ الْعَافِي بِالنِّصْفِ وَهُوَ خَمْسَةُ آلَافٍ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي النِّصْفِ وَحَقَّهُمَا فِي الْكُلِّ فَصَارَ كُلُّ نِصْفٍ بَيْنَهُمَا فَصَارَ حَقُّ وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ غَيْرِ الْعَافِي فِي سَهْمٍ فَيُقْسَمُ الْعَبْدُ بَيْنَ وَلِيِّ الْخَطَأِ وَبَيْنَ غَيْرِ الْعَافِي أَثْلَاثًا ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَثُلُثُهُ لِغَيْرِ الْعَافِي (وَعِنْدَهُمَا أَرْبَاعًا مُنَازَعَةً) ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَرُبْعُهُ لِوَلِيِّ الْعَمْدِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ فَيُسَلَّمُ النِّصْفُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَمُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصَّفُ فَلِهَذَا يُقَسَّمُ أَرْبَاعًا.
(وَإِنْ قَتَلَ عَبْدٌ لِاثْنَيْنِ قَرِيبًا لَهُمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْكُلُّ) بِمَعْنَى إذَا كَانَ عَبْدٌ بَيْنَ رَجُلٍ فَقَتَلَ الْعَبْدُ قَرِيبًا لَهُمَا كَأَخِيهِمَا فَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ حَقُّ الْجَمِيعِ عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا يَسْتَحِقُّ غَيْرُ الْعَافِي شَيْئًا مِنْ الْعَبْدِ غَيْرَ نَصِيبِهِ الَّذِي كَانَ لَهُ مِنْ قَبْلُ (وَقَالَا: يَدْفَعُ الْعَافِي نِصْفَ نَصِيبِهِ إلَى الْآخَرِ) إنْ شَاءَ (أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ) إنْ شَاءَ لِأَنَّ حَقَّ الْقِصَاصِ يَثْبُتُ لَهُمَا فِي الْعَبْدِ عَلَى الشُّيُوعِ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَا يُنَافِي اسْتِحْقَاقَ الْقِصَاصِ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى لِأَنَّهُ مُبْقِي عَلَى أَصْلِ الْحُرْمَةِ فِي حَقِّ الدَّمِ وَإِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الْقَوَدِ شَائِعًا نِصْفُهُ فِي مِلْكِهِ وَنِصْفُهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ فَإِذَا عَفَا أَحَدُهُمَا انْقَلَبَ نَصِيبُ الْآخَرِ وَهُوَ النِّصْفُ مَالًا غَيْرَ أَنَّهُ شَائِعٌ فِي كُلِّ الْعَبْدِ فَمَا أَصَابَ نَصِيبَهُ سَقَطَ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ مَالًا وَمَا أَصَابَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ يَثْبُتُ وَهُوَ نِصْفُ النِّصْفِ وَهُوَ الرُّبْعُ فَيَدْفَعُ نِصْفَ نَصِيبِهِ أَوْ يَفْدِيهِ بِرُبْعِ الدِّيَةِ وَلِلْإِمَامِ أَنَّ الْقِصَاصَ وَجَبَ حَقًّا لَهُمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ فَاحْتَمَلَ أَنَّهُ وَجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي كُلِّ الْعَبْدِ أَوْ فِي النِّصْفِ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ نِصْفِهِ أَوْ نِصْفِ صَاحِبِهِ أَوْ فِيهِمَا شَائِعًا وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْقَوَدِ لِأَنَّ أَجْزَاءَ الْعَبْدِ فِي الْقَوَدِ لَيْسَ بَعْضُهَا بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ فَإِذَا زَالَ حَقُّهُ إلَى الْمَالِ احْتَمَلَ وُجُوبَ الْكُلِّ عَلَى احْتِمَالِ تَعَلُّقِهِ بِنَصِيبِ صَاحِبِهِ وَبُطْلَانُ الْكُلِّ عَلَى احْتِمَالِ التَّعَلُّقِ بِنَصِيبِهِ وَوُجُوبُ النِّصْفِ بِأَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِمَا شَائِعًا وَالْمَالُ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ (وَقِيلَ مُحَمَّدٌ مَعَ الْإِمَامِ).